ما يقارب 196 ألف متقاعد مبكر
صدى الشعب – زيد الشرايعة
حذر خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي من الارتفاع المتزايد في أعداد المتقاعدين مبكرًا في الأردن، مؤكدًا أن التقاعد المبكر لم يعد استثناءً كما كان يُفترض، بل أصبح القاعدة السائدة بين مشتركي الضمان الاجتماعي، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على الاستدامة المالية لمؤسسة الضمان، مشيراً إلى أن سياسات الحالة على التقاعد المبكر القسرية تلحق الضرر بالصالح العام.
وقال الصبيحي خلال حديثه لـ”صدى الشعب” إن أكثر من ثلثي المتقاعدين خلال عام 2024 خرجوا على نظام التقاعد المبكر، بنسبة وصلت إلى نحو 65% من إجمالي المتقاعدين، مضيفًا أن عدد المتقاعدين منذ بداية العام وحتى نهاية شهر أيار بلغ أكثر من 13 ألف متقاعد، نصفهم تقريبًا تقاعدوا مبكرًا.
وأوضح أن الضمان الاجتماعي يوفّر سبعة أنواع من الرواتب التقاعدية والاعتلال، لكن التقاعد المبكر وحده يستحوذ على النسبة الأكبر منها، سواء من حيث عدد المتقاعدين خلال السنتين الأخيرتين أو في عدد المتقاعدين التراكمي الكلي.
165 مليون فاتورة التقاعد 60% منها للمبكر
وأشار إلى أن العدد التراكمي الإجمالي للمتقاعدين في الضمان الاجتماعي بلغ 370 ألف متقاعد حتى الآن، يشكل التقاعد المبكر منهم حوالي 53%، أي ما يقارب 196 ألف متقاعد مبكر، وهو ما يعكس اتساع الفجوة بين فلسفة التأمينات الاجتماعية والممارسات الفعلية على الأرض.
وأكد أن التقاعد المبكر لم يكن في الأصل مصممًا ليكون قاعدة، بل كخيار استثنائي في حالات محددة، إلا أنه تحول اليوم إلى الخيار الأكثر استخدامًا في ظل غياب سياسات متوازنة، لافتًا إلى أن الأنواع الأخرى من التقاعد أصبحت هامشية مقارنة بالتقاعد المبكر.
وبيّن أن فاتورة التقاعد الشهرية للضمان الاجتماعي وصلت في نهاية شهر أيار إلى نحو 165 مليون دينار أردني، يذهب منها 60% لصالح المتقاعدين مبكرًا، وهو ما يزيد العبء المالي على المؤسسة ويهدد توازنها على المدى الطويل.
سياسات قسرية وقرارات حكومية تسرّع الأزمة
وانتقد الصبيحي قرارًا حكوميًا صدر عام 2021، ينص على إحالة كل من أكمل 30 سنة اشتراك في الضمان من موظفي القطاع العام على التقاعد المبكر، معتبرًا أن هذا القرار يُسرّع من الأزمة ويحرِم مؤسسة الضمان من اشتراكات مالية كان من المفترض أن تستمر حتى سن التقاعد القانونية، وهي 60 عامًا للذكور و55 عامًا للإناث.
وأضاف أن أغلب الموظفين الذين يُحالون على التقاعد المبكر لا يكونون قد تجاوزوا سن 46 عامًا، ما يعني أن المؤسسة تتحمل نفقات تقاعدية طويلة الأمد في وقت تُحرم فيه من الاشتراكات التي كانت ستُرفد بها.
وأكد أن مثل هذه السياسات تتناقض مع قوانين وأنظمة التقاعد المدني والخدمة المدنية وإدارة الموارد البشرية، التي تنص جميعها على سن تقاعد محدد، متسائلًا أنه لما يُحرم موظف لم يكمل سن التقاعد من الاستمرار في عمله وما المعايير التي تُعتمد لاتخاذ هذه القرارات.
البطالة لن تُحل بالتقاعد المبكر
وأكد الصبيحي أن غالبية حالات التقاعد المبكر في الأردن تكون إجبارية لا اختيارية، ما يضع الموظف المتقاعد تحت ضغوط مالية كبيرة قد ترهقه، ويؤدي إلى زيادة الأسر ذات الدخل المحدود، مطالبًا بإعادة النظر في هذه السياسات ذات التأثير المجتمعي الكبير.
وأشار إلى أن التقاعد المبكر لا يسهم في حل مشكلة البطالة، كما يُشاع، بل على العكس، يؤدي إلى تنافس المتقاعدين على فرص العمل المحدودة، مما يضغط على سوق العمل بدلًا من تخفيف العبء عنه، خاصة وأن دخل المتقاعد المبكر غالبًا لا يكون كافيًا لتلبية احتياجاته.
وشدد الصبيحي على ضرورة عدم إلغاء التقاعد المبكر نهائيًا، نظرًا لأبعاده القانونية والإنسانية والاجتماعية، لكنه أكد في الوقت ذاته ضرورة إجراء دراسة شاملة حول آثاره المالية والمجتمعية.
وقال إن فلسفة الضمان الاجتماعي تقوم على مبدأ العدالة الإنسانية، مؤكدًا أنه لا يجوز أن يجد العامل نفسه “صغيرًا على التقاعد وكبيرًا على العمل.
واكد على أن سياسات الإحالة القسرية على التقاعد المبكر تتناقض مع رؤية التحديث الاقتصادي، وكذلك مع استراتيجية الحماية الاجتماعية الوطنية، داعيًا أصحاب القرار إلى النظر في آثار هذه السياسات من جميع الجوانب، وليس من زاوية واحدة فقط.
