تأثير السوشال ميديا على الصحة النفسية بين المقارنة والإدمان والتكيف
صدى الشعب _ أسيـل جمـال الطـراونـة
في زمن اصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية ، برزت تساؤلات عدة حول تأثيرها على الصحة النفسية، خصوصًا مع ازدياد استخدامها بشكل مفرط.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور جميل أبو طربوش، المتخصص في علم النفس الإكلينيكي، عن أبرز الجوانب النفسية المرتبطة باستخدام السوشال ميديا.
وأكد الدكتور أبو طربوش أن تأثير السوشال ميديا يبدأ أولًا من خلال مقارنة الشخص نفسه بالآخرين وهو ما يحصل عبر عدة أبعاد منها البعد الأول يتمثل في مستوى الحياة المعيشية ، إذ يطّلع المستخدم على أنماط حياة الآخرين من سفر ولباس وأماكن فاخرة، ما يخلق شعورًا داخليًا بالمقارنة. أما البعد الثاني فيتعلق بالشكل الخارجي، وهو من أبرز المحاور التي تؤثر على النفسية، بينما يتمثل البعد الثالث في الرفاهية والأنشطة المرتبطة بها.
كما أكد أبو طربوش إن هذه المقارنات المستمرة تؤدي إلى مشاعر حزن وشعور بالنقص، وقد تتطور إلى أعراض مزاجية اكتئابية ، ومن هنا، تبدأ دائرة البحث عن القبول في عيون الآخرين، من خلال السعي وراء الإعجابات والتعليقات، وهو ما يدفع البعض إلى نشر محتوى قد لا يعكس واقعهم الحقيقي، سواءً عبر مقاطع مضحكة أو استخدام فلاتر تشوّه صورة الذات، أو حتى الحديث عن أنفسهم بطريقة مبالغ بها في محاولة لتعويض شعور بالنقص.
وأضاف الدكتور أبو طربوش أن هناك علاقة طردية بين الفراغ واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فكلما زاد الفراغ لدى الفرد، ازداد معه استخدامه للسوشال ميديا، وهو ما قد يتحول لاحقًا إلى إدمان يؤثر على إنتاجيته في العمل وتطوره المهني.
كما يؤدي هذا الإدمان إلى العزلة الاجتماعية، حيث يفقد الشخص قدرته على التواصل الواقعي مع الآخرين، مما يؤدي إلى تراجع في العلاقات الاجتماعية، وبالتالي إلى أعراض مثل القلق والاكتئاب والانغلاق.
من جهة أخرى، لا يقتصر التأثير النفسي على الجانب الاجتماعي فقط، بل يمتد ليشمل اضطرابات النوم، الأرق، وتشتت التركيز، ما ينعكس سلبًا على الحالة المزاجية بشكل عام، إذ يجد المستخدم نفسه محاطًا بمحتوى مستمر لا يهدأ، مما يحرم العقل من الراحة المطلوبة.
ورغم الصورة القاتمة التي قد ترسمها هذه التأثيرات، إلا أن الدكتور أبو طربوش يشير إلى وجود حسابات إيجابية على السوشال ميديا تساهم بشكل ملموس في التوعية والدعم النفسي والسلوكي فييشير إلى وجود محتوى تربوي، اجتماعي، إعلامي، صحي أو سلوكي يقدم رسالة واضحة تسعى إلى تغيير المعتقدات والسلوكيات نحو الأفضل، وتشجيع الأفراد على التكيف مع المتغيرات الحياتية.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الحسابات، متى ما عكست الواقع الحقيقي لحياة الأفراد، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو المهنية، فإنها تسهم في تعزيز التقبل الذاتي، ورفع الدافعية للتطور المهني، إضافة إلى إغناء المتابعين بالثقافة العامة وتبادل الخبرات العملية.
ويشار إلى أن تأثير السوشال ميديا على الصحة النفسية لا يمكن إنكاره، فهو يتراوح بين التحفيز والتدمير، اعتمادًا على طريقة الاستخدام والمحتوى المتابع، وبين المقارنة التي تُضعف الثقة بالنفس، والإدمان الذي يعزل الفرد عن محيطه، تظهر الحاجة إلى الوعي الرقمي، فليس المطلوب الانعزال عن هذه المنصات، بل إعادة ضبط علاقتنا بها، واختيار ما يخدم نمونا النفسي والمعرفي، وتجنّب ما يستهلكنا دون جدوى.
وبذلك يمكن تحويل هذه الوسائل من مصدر للضغط إلى أداة للتمكين والتطور.






