اهتم الإسلام بشكل كبير بصحة الإنسان، فحلل له كل ما هو مفيد لجسمه وحرم كل ما يضره.
ولأن الصحةُ تاجٌ على رؤوس الأصحاء، شرع الإسلام الآدابَ الصحيةَ والوسائلَ الوقائية، وأوجب الطهارةَ والنظافة حتى يبقى الإنسان بصحة جيدة.
والمتأمل في الأحاديث النبوية الصحيحة يجد فيها كماً هائلاً من التوجيهات الصحية التي من شأنها في حالة الالتزام بها أن ترقى بالحالة الصحية للإنسان بدناً ونفساً بالاضافة إلى تحذيرات من سلوكيات خاطئة وجرائم أخلاقية كشف العلم الحديث كم هي ضارة ومهلكة للإنسان.
فقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصحة نعمة من أعظم النعم فقال في الحديث الشريف: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: من أصبح معافى في جسده، أمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا، وروي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سلوا الله اليقين والمعافاة، فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من العافية .
وشكر نعمة الصحة يكون بالمحافظة عليها، وفق سنن الله في الأسباب والمسببات والاقتداء بالهدي النبوي في ذلك، فهو خير الهدى وأكمله .
اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشر قيمة النظافة ورفع شعار الطهارة عالياً بين المسلمين، والنظافة التي أولاها الرسول عنايته هي نظافة الإنسان، والبيت، والطريق، والمسجد، فهو القائل إن الله جميل يحب الجمال، فالجمال هو عنوان حياة المسلم في ظل بيئة نظيفة بمظهر أنيق وذوق جمالي رفيع . . بل بالغ في النظافة لحد التزين والتجمل استجابة لقول الحق سبحانه يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد .
التطهر شرط للعبادة قيمة النظافة التي عُني بها الرسول وتعددت توجيهاته للحرص عليها في كل سلوكيات الإنسان هي في الواقع حماية لنفسه وحرصاً على صحة الآخرين وهذا ما ينادي به الأطباء في العصر الحالي . . ولكن التوجيهات النبوية سبقت تحذيرات الأطباء تلك بأكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان فوجهت المسلمين لاتخاذ الحذر والحيطة من الإصابة بالأمراض، وهي ما تسمى اليوم بالإجراءات الاحترازية، كما بينت له كيف يتعامل مع المصابين بأمراض وبائية .
والطهارة في التوجيهات النبوية الكريمة كما يقول الدكتور عبد الله النجار، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية ليست مجرد شعار يرفعه الإنسان ولا يعمل به، بل هي سلوك مفروض على كل مسلم ومسلمة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: الطهور شطر الإيمان، ولذلك شاعت بين المسلمين عبارة النظافة من الإيمان، فالنظافة تجعل الإنسان يبني حياته على النقاء والصفاء، فيعيش حياته طاهر البدن والملبس والمكان وينعم بالراحة في صحته وسلوكه وصلته بخالقه عز وجل .
والتطهر من النجاسة ركن من أركان التكاليف التي كلف الله تعالى بها كل مسلم ومسلمة، لأن العبادات التي فرضها الله علينا لا تكون مقبولة إلا إذا كان المكلف بها منزهاً عن كل دنس حسي أو معنوي .
اللياقة البدنية رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل والنشاط والحركة والبكور، وهذه وسائل تعين على الصحة الجيدة واللياقة البدنية العالية، فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم بارك لأمتي في بكورها، وحذر من التباطؤ والتكاسل والترهل، وجعل من صفة المؤمن الملتزم أن يصبح طيب النفس نشيطاً . . كما دعا عليه الصلاة والسلام إلى ممارسة الرياضة بالعدو والرماية وركوب الخيل وما شابهها من ألوان الفروسية ورغّب الآباء في تربية أبنائهم على ممارستها، وشرع التنافس والمسابقات تشجيعاً عليها . . والأحاديث النبوية الصحيحة في ذلك كثيرة ومتنوعة .
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إرهاق البدن بالعمل وطول السهر والجوع حتى لو كان ذلك في صورة عبادة الله تعالى، فقد أنكر صلى الله عليه وسلم على عدد من أصحابه أراد أحدهم أن يقوم الليل فلا ينام، والثاني يصوم فلا يفطر، والثالث أن يعتزل النساء فلا يتزوج، وقال لهم: أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له، ولكنني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني .
هناك العديد من التوجيهات النبوية الكريمة التي تمثل حماية لحياة الإنسان ووقاية لجسده من الأمراض، منها ما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم .
هذا الحديث النبوي الشريف يكشف عن إعجاز البيان النبوي، حيث أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمراض الخطيرة التي كشف عنها العلم الحديث نتيجة انتشار الفواحش وشيوع الانحلال الجنسي، وأخطر هذه الأمراض هو مرض نقص المناعة الإيدز الذي يلقبه العلماء والأطباء في كل مكان على ظهر الأرض بطاعون العصر .
الجسد الإنساني له كرامة مستمدة من كرامة الإنسان الذي قال فيه ربنا تبارك وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً . . ومن هنا كان حرص الإسلام على تكريم جسد الإنسان حياً وميتاً، وكان التشديد في الأمر بالمحافظة عليه، والنهي عن الإساءة إليه بسوء استخدامه أو إهانته وإهدار كرامته، لأن في إهدار كرامة الجسد قضاء على كرامة صاحبه، وهو موقف يتنافى تماما مع مقام التكريم الذي رفع الله تعالى إليه الإنسان .