هل يتحقق نمو اقتصادي في 2021؟

كنت من القلائل الذين كتبوا بأن النُمُوّ الاقتصاديّ المقدّر لسنة 2021 والبالغ ما نسبته 2.5 % قابل للتحقق على أرض الواقع باعتباره بالأصل معدّل نموّ متواضع، وهو متطابق لمعدلاته التي تحققت على مدى السنوات العشر الماضية.

والحقيقة أنني شخصيا لم أر أي صعوبة في الخروج من معدّلات النُمُوّ السالب التي تحققت في العام 2020 والوصول إلى معدّلات نموّ إيجابية في العام الحالي الذي كان يفترض أن تعود الحياة إلى طبيعتها بتراجع حدة الوباء، ووصول المطعوم إلى أكبر شريحة ممكنة في المجتمع، مما يسمح بعودة عمل القطاعات الاقتصاديّة المتوقفة مثل السياحة والنقل وغيرهما إلى نشاطها الاقتصاديّ المعهود، والمشاركة بفعالية في الناتج المحليّ الإجمالي.
لكن للأسف “تسير الرياح بما لا تشتهي السفن”، فالفرضيات الانطباعية السابقة التي بنيت عليها موازنة 2021 لم تعد صحيحة، والمؤشرات على أرض الواقع غير مطمئنة من عدة جوانب سلبية ظهرت خلال الربع الأول من العام الحالي.
فالوضع الوبائي ازدادت وطأته خلال الأسابيع الماضية بشكل كبير وبتنا أعلى دولة في العالم من حيث انتشار الجائحة ونسبة الوفيات.
هذا التراجع الصحي فرض على الحكومة العودة لسياسات الحظر الشامل والجزئي وممارسة الإغلاقات لعدد كبير من القطاعات، الأمر الذي سيساهم في انخفاض إيرادات الخزينة من الرسوم والضرائب المختلفة التي كانت العام الماضي قد تراجعت بما يزيد على الـ750 مليون دينار، في حين كانت الحكومة تتوقع أن سياسة الحظر لن تكون في هذا العام، لكن ما حدث هو غير ذلك.
الأمر لا يتعلق بالأردن فقط، وإنما تداعيات كورونا وتطوراتها السلبية امتدت لكل دول العالم، وهو ما سيجعل الاقتصاد الوطنيّ أسيرا لهذه الجائحة في العام 2021، وهو ما يعني عدم عودة القطاع السياحي للعمل والذي تشكّل مساهمته بالناتج المحلي الإجماليّ أكثر من 14 %، وكان عاملا رئيسيا في رفد احتياطات المملكة من العملات الصعبة بعد أن تجاوزت معدلات نموّه الـ10 % في العام 2019 وحقق دخلا يفوق الملياري دينار في تلك السنة.
عدم السيطرة على الوباء محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً يعني استمرار سيادة حالة عدم اليقين على الاقتصاد العالميّ، وستكون تحويلات المغتربين في الخارج معرضة للاستمرار بالهبوط، علما أنها ولأول مرة منذ عشر سنوات تراجعت بنسبة 8 % خلال العام الماضي.
وستكون قدرة الحكومة على جذب استثمارات أجنبيّة جديدة ضربا من الخيال في ظل الأوضاع الصحية الصعبة، مما سيكون له الأثر السلبي الكبير على أي جهود وطنيّة رسميّة لمكافحة البطالة التي قفز معدلها في الربع الرابع من العام الماضي إلى 24.7 %، مع تزايد حالة الضغوطات الكبيرة على القطاع الخاص المشغل الأكبر للعمالة، وفي ظل محدودية أو حتى انعدام كلي للقطاع العام على التوظيف بسب الاختلالات العميقة التي تعاني منها الموازنة وعجزها المزمن الذي يتجاوز الملياري دينار.
داخليا قد تواجه الحكومة مأزقا في توفير مخصصات إضافية لصندوق المعونة الوطنيّة، وأموالٍ لدفعها لعمال المياومة الذين يتجاوز عددهم الـ400 ألف شخص غالبيتهم غير مشمولين بمظلة الضمان الاجتماعيّ، وقد تلجأ الحكومة كعادتها إلى تلبية أي تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية للكورونا بواسطة مزيد من الاقتراض الداخليّ والخارجيّ على حد سواء، مما يعني أن نسب الدين قد تتجاوز الـ111 % من الناتج المحلي الإجمالي قد يزيد على الـ 34 مليار دينار مع نهاية هذا العام.
إذا استمر مشهد التطورات السلبية للجائحة على حالته الراهنة ولم تتمكن الحكومة من توفير العدد الكافي من اللقاحات، مع عزوف المواطنين عن تلقي المطعوم ستعزز فرص التباطؤ في المشهد الاقتصاديّ، ولن يتمكن الاقتصاد من تحقيق معدلات النُمُوّ المتواضعة المقدّرة لسنة 2021 ما لم يطرأ أي تطورات إيجابيّة غير معلومة في الأفق.

أخبار أخرى