هناك موجة غلاء مقبلة على الطريق، ليس في الأردن، وحده، بل في اغلب دول العالم، والصناعيون والمستوردون والتجار في الأردن، قد يتحدثون عن القصة بشكل تفصيلي.
كثير من المستوردات بدأ سعرها بالارتفاع، وكثير من الدول بدأت بمنع تصدير مواد غذائية، او رفعت سعرها، من الأرز الى السكر، وصولا الى رفع أسعار المواد الأساسية التي تدخل في الإنتاج، والصناعات المختلفة، واذا كان السوق الأردني فيه مواد مستوردة منذ وقت سابق، فإن المعلومات تؤشر الى بدء ارتفاع بعض أسعار المواد المستوردة اخيرا.
لست اقتصاديا حتى اتحدث عن القصة من جانب اقتصادي، لكن التفسيرات تتحدث عن ارتفاع أسعار الشحن، بسبب الصين، التي تسببت برفع أسعار كل شيء، جراء رفع أسعار الشحن، وهذا سوف يرتد على كل شيء، ومع هذا التقطع في سلاسل التوريد، بسبب استمرار تفشي وباء كورونا في العالم، وعدم عمل العمال كما يجب، وفقا لما قبل كورونا، وربما أيام اقل، وساعات اقل، والتخوف من تعرض سلاسل التوريد الى تغيرات، على صعيد ضمان تدفق كل شيء، او ارتفاع الأسعار، كان مطروحا منذ بداية الوباء، لكنه على ما يبدو قد يكون واردا الان.
ان صحت التوقعات امام المؤشرات التي يتم الحديث عنها، وربما آخرها ارتفاع أسعار مواد البناء والدهانات في الأردن، بنسبة تصل الى 40 بالمائة، فاننا امام موجة غلاء سوف ترتد على كل شيء، خصوصا، ان الارتدادات سوف لا تتوقف، وكلما ارتفع سعر شيء، ارتد على قطاع آخر، بما يؤدي الى ارتفاع الأسعار أيضا، وقد تكون الحجة ان المواد الأساسية المستورد ارتفعت من مصدرها، او كلف الشحن، او غير ذلك، إضافة الى ان الغلاء بحد ذاته سيؤدي الى رد فعل، لدى كل القطاعات التي ستحاول تعويض الكلف المستجدة، من أسعار منتجاتها وبذلك يدفع المستهلك الكلفة نهاية المطاف، ويصل الغلاء الى الكل، والأخطر ان لا يتمكن السوق من التجاوب مع الأسعار الجديدة، فيحل الكساد على هذه القطاعات.
حتى القطاع الزراعي الذي هلل كثيرون لانهيار الأسعار فيه، كونهم يشترون منتجات رخيصة الثمن، سيأتيه الدور ويرفع الأسعار، لان الخسائر الماحقة التي تعرض لها الان، وخلال الفترة الماضية، ستؤدي الى احد امرين اما توقف الزراعة وبالتالي قلة الكميات المنتجة، ورفع الأسعار، واما قيام المزارعين برفع أسعار منتجاتهم لتعويض الخسائر اذا استطاعوا ذلك، بدلا من الانهيارات التي تعرضوا لها، فوق المصاعب التي يعيشونها أساسا.
ربما نتحدث مبكرا، لكن هذا الملف بدأت مؤشراته بالتزايد يوما بعد يوم، ونحن في بلد يرتفع فيه سعر كل شيء أساسا مع مطلع رمضان، لكننا نتحدث عن قصة استراتيجية تضرب اقتصادات دول العالم، ولا تقف عند حدود الأردن، لان التغيرات ستنال من الكل، لكن الفرق عندنا ان الضرائب منهكة، وتزيد من صعوبة الحياة، وترفع الكلف بشكل إضافي، وهذا يعني في الخلاصة، اننا سنشعر تدريجيا اننا امام تغيرات في الأسعار، لا يحتملها أساسا اكثر الناس، في ظل دخولهم المنخفضة، وعدم قدرتهم على التكيف مع الأسعار الحالية.
كيف ستواجه الحكومة، أي حكومة، هذا الوضع الصعب، وهو سؤال على الأرجح لا إجابة له، لان الحكومة لن تخفض الضرائب، وبالتالي لن يتغير شيء، هذا فوق ان الخزينة ستتراجع وارداتها المالية، بسبب قلة الاستهلاك، امام ارتفاع الأسعار المستجد، وامام الوضع الاقتصادي، وليس ادل على ذلك من تراجع استهلاك النفط في الأردن، بما يعنيه ذلك، من قلة السيولة بيد الناس، وتراجع الضرائب التي تجنيها الحكومة من بيع النفط، بكل مشتقاته.
لا بد من رأي اقتصادي يشرح بشكل تفصيلي التغيرات في الأسعار، على مستوى المستوردات، وكلف الشحن، وكلف المواد الأساسية التي تدخل في الصناعات المختلفة، وماذا يجري على صعيد ملف المواد الغذائية في العالم، وكيف يمكن التعامل مع هذه الموجة، وتأثيرها على الأردن، ودول العالم، وهل هذا وضع مؤقت ام سوف تزداد حدته، والحد الفاصل بين استغلال كثرة لهذا الوضع ورفع الأسعار، واضطرارهم مجبورين لرفع الأسعار.