استطاع العرب أخيرا، وبنجاح قادته الإمارات العربية المتحدة، تحقيق إنجاز علمي رفيع، بوصول مسبارها الفضائي، وبعد سبعة أشهر من إطلاقه، إلى مدار كوكب المريخ، لتنهال، خلال الأيام الماضية وما تزال، التهاني بهذا المنجز العلمي. إلا أن اللافت في جميعها، تهنئة وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، من خلال تغريدة اقتبست فيها بيتا لشاعر العربية المتنبي يقول فيه: “إذا غامرت في شرفٍ مرُومِ … فلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ”. وهذا توظيف عبقري للغة العربية من قبل ناسا، والأهم اعتراف من أهم جهة تعنى بشؤون الفضاء على كوكبنا الأزرق بالإنجاز الكبير، الذي وضع الإمارات والعرب خامسا بين الأمم في العالم، وصولا إلى المريخ، بعد الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والهند. وفي هذا دروس نتعلمها.
أولها أن رحلة المليون ميل تبدأ بخطوة، وفي حالة مسبار الأمل كانت ملايين الأميال، وأن لا شيء يقف في وجه قوة الإرادة وعزم الصمود وروح التحدي. وفي هذا رسالة تمكين وثقة بالنفس للشباب العربي: أننا قادرون على مجاراة العالم في أصعب حقول العلم والمعرفة، ألا وهو استكشاف الفضاء الشاسع، والمساهمة في صناعة التاريخ البشري. لا يعرف الكثيرون حقيقة حجم المتاعب التي واجهت المسبار قبل انطلاقه، ومنها عملية نقله إلى محطة الإطلاق في اليابان، والعالم بأسره يواجه انتشار جائحة فيروس كورونا الشرس، ما ترتب عليه شلل في عمل المطارات والموانئ، إضافة إلى الأحوال الجوية القاسية التي أجلت إطلاق المسبار أكثر من مرة، والأصعب من كل ذلك التحكم بالمسبار عن بعد، خصوصا عند انفصاله عن صاروخ الإطلاق، وعند دخوله مدار المريخ. وهناك تفاصيل فنية معقدة كثيرة.
كما لنا في مسبار الأمل درس يعيد إلى الأذهان المتفائلة ريادة العرب في حقول العلم والمعرفة، ويذكرنا بعلماء الأمة ممن ساهموا في علوم الفضاء، وكان لهم تقدير كبير في عصرهم وبعده، ومنهم الخوارزمي والبتاني وابن الهيثم، وأجيال العلماء التي تبعتهم، ومنهم في عصرنا الحالي فاروق الباز وكمال الودغيري وعصام معروف، والقائمة تطول. وفي هذا أمل لشباب الأمة أنهم قادرون على دخول مضمار المنافسة، وتحقيق بطولات فردية وجماعية ذات أثر كبير على مستوى دولهم والعالم أجمع.
ولأن النجاح يولد النجاح، فقد حظي مسبار الأمل، الذي صمم للكشف عن أسرار طقس الكوكب الأحمر، باهتمام وسائل الإعلام على اختلافها، والتي أبرزت الحدث بقوة ليتصدر الخبر الاهتمام العربي والإقليمي والعالمي يوم التاسع من الشهر الحالي. وفي هذا عبرة أنه وبالعمل المميز والجهد الدؤوب وحده يصل المرء إلى المجد. ولمن لا يعلم، فقد انتهى أكثر من 50 % من بعثات الدول إلى المريخ بالفشل، وهذا بحد ذاته دليل على أهمية المنجز الإماراتي العربي، الذي لا بد من إنتاج وثائقي عنه يروي قصة نجاحه للعالم بأسره.
وإذا كان من درس أساسي لنا في مسبار الأمل، فهو أهمية دعم أفكار العلماء والبحث العلمي والاختراع على اختلاف حقوله، فهو الفخر الحقيقي لإنجازات الأمم، سواء كان الأمر في محاربة فيروس كورونا الذي أنهك البشرية، أو في سبر الفضاء وأسراره، أو في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي ستغير وجه البشرية قريبا، وغير ذلك الكثير.
لقد شكل مسبار الأمل فعلا بداية مشجعة لإعادة مجد العرب ومساهمتهم في تاريخ الإنسانية، تجسيدا لقول أبي القاسم الشابي: “إذا الشّعْبُ يَوْما أرَادَ الْحَيَـاةَ … فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القَـدَر”. وقد استجاب القدر، ونجح مسبار الأمل في إحياء الأمل.