صدى الشعب-كتب أ. د. ليث كمال نصراوين
بعد أن سقط النظام السوري السابق وقرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقرار شخصي منه منح الرئيس المعزول بشار الأسد وعائلته حق اللجوء الإنساني، ثارت العديد من التساؤلات القانونية حول طبيعة هذا اللجوء، وما إذا كان يشكل عقبة إجرائية أمام محاكمة الأسد عن الأفعال التي ارتكبها، والتي تُعتبر من قبيل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ينعقد الاختصاص في ملاحقتها للمحكمة الجنائية الدولية.
إن حق اللجوء الإنساني وإن اختلف في مبرراته وأسبابه عن اللجوء السياسي إلا أنهما يشتركان معا في تأثيرهما على المسؤولية الجنائية الدولية. فاللجوء السياسي يتعلق بحماية الشخص الذي يخشى التعرض للاضطهاد أو العقاب في بلده بسبب آرائه السياسية أو انتمائه الديني أو العرقي أو الاجتماعي، فيُسمح له بالإقامة في بلد اللجوء بعيدا عن التهديدات التي كان يواجهها في موطنه الأصلي.
أما اللجوء الإنساني، فيُمنح للشخص الذي غادر بلده لأنه يواجه خطرا مباشرا على حياته أو سلامته أو يكون من المتضررين من أوضاع إنسانية صعبة وكوارث طبيعية، فيهرب إلى بلد آخر ساعيا وراء الحصول على الحماية الإنسانية والدعم والإغاثة من خلال توفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية له، دون أن يكون بالضرورة معرضا لخطر التعرض للأذى لسبب محدد كعرقه أو دينه أو رأيه السياسي.
وبصرف النظر عن ماهية اللجوء الذي حصل عليه الرئيس السابق، فإنه لن يحول دون محاكمته أمام الجهات القضائية الدولية وذلك وفق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان. فالمادة (14) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص صراحة على أنه “لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد، إلا أنه لا يمكن التذرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها”. فمن أهم الأهداف التي أنشئت المنظمة الدولية من أجل تحقيقها تكريس الحقوق الأساسية للإنسان وحماية كرامته البشرية، وذلك استنادا لديباجة ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945.
كما تثبت المسؤولية الجنائية الدولية للرئيس الأسد بموجب نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002، حيث ينعقد الاختصاص لهذه المحكمة على الأفراد بصفاتهم الشخصية وليس باعتبارهم رؤساء دول. فالمادة (25) من نظام روما تنص على أن “يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين، وأن الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولا عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب”.
وتتعزز الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية على الرئيس الأسد رغم حصوله على اللجوء الإنساني من خلال المادة (27) من نظام روما الأساسي، التي تنص صراحة على أن “الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسا لدولة أو حكومة، لا تعفيه من المسؤولية الجنائية، وأن الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي لا تحول دون ممارسة المحكمة الدولية اختصاصها على ذلك الشخص”.
وعلى الرغم من ثبوت النصوص القانونية التي تقرر مسؤولية الرئيس السوري السابق أمام المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن الملاحقة القضائية قد تعتريها مجموعة من العقبات الإجرائية أهمها أن سوريا ليست من الدول الأعضاء الموقعين على نظام روما، وبالتالي فهي لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
ومع ذلك، فإنه يمكن أن ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة الرئيس السوري السابق عن الجرائم التي ارتكبها إذا قرر مجلس الأمن إحالة الموضوع إليها، وذلك وفق أحكام المادة (13) من نظام روما التي تنص صراحة على ثبوت الاختصاص للمحكمة الدولية في النظر في أي من الجرائم الداخلة ضمن ولايتها القضائية بناء على قرار من مجلس الأمن يصدر استنادا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
كما يتحقق الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية في حال قبول سوريا، كدولة غير طرف في النظام الأساسي، أن تمارس المحكمة اختصاصها على الجرائم قيد البحث عملا بأحكام المادة (12) من نظام روما، أو إذا وافقت سوريا في المستقبل على التصديق على النظام الدولي.
في المقابل، فإن روسيا التي منحت الأسد حق اللجوء الإنساني لن تكون ملزمة قانونيا بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. فهي وإن وافقت على ميثاق روما في عام 2000، إلا أنها قد أعلنت في عام 2016 سحب توقيعها على النظام وإلغاء اعترافها بالمحكمة الدولية. كما أن أي محاولة لاستصدار قرار دولي من مجلس الأمن لإلزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتعاون مع أي قضية دولية تخص الأسد لن يُكتب لها النجاح، حيث ستستخدم روسيا حق النقض “الفيتو” لتعطيل إصدار مثل هذا القرار.
وعليه، فإن حق اللجوء الذي تقرر منحه للرئيس السابق الأسد لا يحول دون محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أي محاكم دولية خاصة، إلا أنه قد يُصعّب من إجراءات تسليمه، إذ من المتوقع أن ترفض روسيا طلب تسليمه إلى أي جهة قضائية انطلاقا من سيادتها الوطنية ومصلحتها العليا.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة