ما هو البديل عن الصندوق؟

 

ينتقد الكثير علاقة الأردن بصندوق النقد الدولي، ويعتبرها سببا رئيسا في تردي الأوضاع الاقتصادية عامة، وتراجع المؤشرات على اختلافها، والمحصلة ضغوط متزايدة على الأمن المعيشي للأردنيين، نتيجة التزام الحكومات المختلفة ببنود اتفاقاتها المتعددة مع الصندوق.
صحيح ان برامج التصحيح مع الصندوق برامج انكماشية هدفها الأول والأخير توفير إيرادات جديدة للخزينة لتكون قادرة على الوفاء باحتياجاتها التمويلية المختلفة خاصة الخارجية منها، والمقصود بذلك هو ديونها الخارجية من أقساط وفوائد مترتبة للدائنين.
لكن السؤال الذي يتهرب الكثير من الإجابة عليه، هو لماذا ذهب وارتبط الأردن بالصندوق من خلال برامج التصحيح؟، وهل يوجد بديل عن تلك البرامج؟
المعلومة التي يتهرب الكثير من معرفتها ان لجوء الأردن للصندوق كان قرارا أردنيا بحتا بعد ان أغلقت كُل أبواب التعاون الدولي معه إثر أزمة الدينار سنة 1989، فلم يعد احد يقرض الأردن أو حتى يتعامل معه اقتصاديا بعد ان تجاوزت مديونيته الـ230 بالمائة من الناتج المالي الإجمالي، ولن يعد قادرا على سداد التزاماته الخارجية، مثلنا هو الحال مع لبنان، وهذا كان نتيجة سياسات اقتصادية تراكمية لأكثر من عقد من الزمان، كانت مبنية على أحلام وردية بأن هناك مساعدات عربية قادمة للخزينة، وبالتالي كان سلوك الحكومات الاتفاقي مبنيا على تلك التقديرات الفضفاضة، حيث زادت تلك الاتفاقيات الحكومية اكبر بكثير من إيرادات الدولة، وهو ما يعرف بأزمة المديونية الشهيرة نهاية حقبة الثمانينيات، حينها لم يعد احد يتعامل من المؤسسات الدولية والمانحين مع الاقتصاد الوطني المنهار، وإداريا بدؤوا يتحركون لتحصيل حقوقهم وأموالهم بالطرق القانونية الدولية، وبعضهم بدأ فعلا بالحجز على أي ممتلكات للأردن في الخارج مثل مباني السفارات أو حتى الحجز على طائرات الملكية كما حدث في مطار بروكسل الدولي.
حينها لم يعد للأردن القدرة على التحرك مع المجتمع الاقتصادي العالمي إلا على أسس جديدة لم يكن معمولا بها في السابق وهو اللجوء لصندوق النقد الدولي من أجل وضع ترتيبات وتفاهمات جديدة بين الأردن والدائنين.
هذه العلاقة ترجمت من خلال ما سمي وقتها ببرامج التصحيح الاقتصادي والتي ابتدأ العمل بها فعليا في سنة 1989، واستمر العمل بها 14 سنة متتالية حتى 2003، وقتها يخرج الأردن من مظلة التصحيح التي كلفته نجاحات مالية نسبية مكنت الخزينة من النهوض من جديد بالتزاماتها الداخلية والخارجية بأدوات جديدة كان على رأسها برامج التخاصية واستحداث ضريبة المبيعات سنة 1993.
بعد التخرج، كان الأردن حر نفسه في إدارة اقتصاده التي طبقت اكثر من 13 برنامجا تصحيحيا مع الصندوق، إلا ان السياسات المالية المختلفة أدت بنا الى الصندوق من جديد في سنة 2012 بعد ان شهدت الميزانيات المختلفة تشوهات واختلالات كبيرة أدت لتفاقم عجز الموازنة ونمو كبير في المديونية العامة، وقتها بدأ المانحين بالتشدد تجاه الاقتصاد الوطني، حيث دعمه وقدم التسهيلات المختلفة له، كما أن المؤسسات الدولية بدأت بتخفيض التصنيف الائتماني للمملكة الى درجة سالبة، وقتها لم يعد بالإمكان الحصول حتى القروض الميسرة، وبدأ الاقتصاد يواجه مشاكل في الحصول على التمويل الخارجي، خاصة وان المديونية الداخلية تضاعفت عشرة أضعاف عما كانت عليه وقت التخرج من الصندوق، فقامت الحكومة حينها برفع أسعار المحروقات والكهرباء كخطوة أولى واستباقية للتفاوض مع الصندوق على برنامج تسهيلات جديدة، يمكنها من الحصول على مساعدات خارجية من المؤسسات الدولية والمانحين بأسعار فائدة متدنية، وهذا ما حصل فعلا بعد ذلك، حيث التزم الأردن ببرامج جديدة للصندوق، وما نزال لغاية الآن تحت مظلتها.
السؤال الثاني هل يوجد بديل عن برامج الصندوق؟
نظريا قد تكون الإجابة نعم، بإمكان المملكة ان يكون لها برنامج تصحيح وطني ذاتي، تقره الحكومات بالتعاون مع مجلس الأمة وتعمل على تنفيذه بشكل يؤدي الى إصلاحات حقيقية.
عمليا الإجابة قطعا ستكون أن الأمر يستحيل تحقيقه على ارض الواقع، فكل برامج الإصلاح الداخلية التي خرجت بها الحكومات وضعت على الرف، ولم يلتزم بها أحد، حتى الحكومة نفسها التي أقرتها، فلا نواب ولا وزراء نفذوا تلك البرامج وهي كثيرة بالمناسبة وجميعها موجودة في أدراج الارشيف الحكومي.
لا، وثبت بالدليل القاطع ان برامج التصحيح الخارجية هي فقط الملزمة في التنفيذ من قبل الحكومات ومجالس الأمة، فكُل شيء خارجي سهل التنفيذ عكس إذا كان داخليا فهو يوضع مباشرة على الرف ولا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به.
هذا يبن لنا ان العلاقة مع الصندوق حيوية وضرورية لاستدامة الاقتصاد الوطني والحفظ على استقراره، وغير ذلك فإننا بأمس الحاجة إلى حكومة وطنية ومجالس نواب تمتلك من الحضور والثقة ما يؤهلها هي والحكومة لوضع برنامج تصحيحي وطني عابر للحكومات وملزم للتنفيذ للجميع، وغير ذلك لا خيار للاقتصاد الوطني سوى الصندوق.

أخبار أخرى