“جريمة الزرقاء”.. مفترق طرق!

أيام أو أشهر، وستُسدل الستارة على ما بات يُعرف بقضية “فتى الزرقاء”، الذي تعرض لعمل بربري وحشي، تلفظه الإنسانية والأخلاق والعقل والقوانين السماوية أو الوضعية، على أيدي وحوش آدمية ذوي أسبقيات. للأسف سيبقى الطفل صالح يعيش حياة مليئة بالعذاب، ويُعاني والداه وذووه مرارة تلك الفعلة الشنيعة، على مر الأعوام المقبلة، ما دام فيهم نفس.
أيًا كانت عقوبة أولئك “الوحوش”، والتي أقل المطالبات فيها الإعدام والكثير من أبناء الشعب يطالبون بعقوبة القصاص على الطريقة الشرعية والعشائرية، على قاعدة الجزاء من جنس العمل، إلا أن “جريمة الزرقاء”، قد تكون بداية خير، ومفترق طرق، لما هو إيجابي للوطن ككل، ومن قبله المواطن، وخصوصًا أولئك الذين يعملون في مناطق تكثر بها “عصابات الأشرار”، التي تفرض “أتاوات” على أناس يعتاشون من أعمالهم بشكل يومي.
“جريمة الزرقاء”، حتمًا ستضع الدولة بكل أجهزتها أمام دلالات ومؤشرات، ما يتوجب عليها الاستنفار بكل ما أوتيت من قوة، على أكثر من مجال؛ أولها وأهمها استئصال مثل أولئك “الوحوش”، ثانيها القضاء أو التخفيف من حدة الفقر والبطالة.
رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي في العام 2014، الديمقراطي بوب، له قول مشهور هو: “لا يهمني أن تحب أميركا أو أن تكرهها. المهم أن تحترم القانون فيها، فنحن لا نحكم على نوايا الناس وإنما على أفعالهم”.
يجب عدم الاكتفاء بفتح ملف “عصابات الإجرام”، من بلطجية وتجار ومروجي مخدرات، بل السعي بكل قوة وحزم للقضاء عليها، فهؤلاء خطر على الوطن وعلى مواطنيه، الذين يقومون بترويعهم، ما يؤثر سلبًا على النواحي الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية للجميع.
إن العملية الأمنية التي قامت بها الأجهزة المختصة، ضد “وحوش” جريمة الزرقاء، كانت بمثابة رسالة لذلك “العالم السفلي”.. والتي يأمل الجميع باستمرارها ومواصلتها في مختلف مناطق المملكة، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
أعتقد، كما الكثير، بأنه لن يتعاطف بعد اليوم أحد مع أصحاب ظاهرة البلطجية و”الخاوات” وتجار المخدرات، عند القيام بعملية أمنية ضدهم وفي وكورهم، فالسخط الشعبي مرتفع جدًا هذه المرة، على الأجهزة المعنية الاستفادة منه في القضاء على مثل تلك الظواهر.
جريمة “فتى الزرقاء”، يجب أن تكون بداية طريق جديد لمعالجة ملفي الفقر والبطالة، فالفيلسوف أرسطو يقول “إن الفقر هو أصل الثورة والجريمة”، وإن كان لا يوجد أحد يُبرر اقتراف أي جرم، مهما كان بسيطًا، بداعي الفقر أو الحاجة.
يتوجب على أجهزة الدولة المختلفة، صاحبة القرار، التنبه جيدًا، لملفي الفقر والبطالة، فمئات الآلاف من الشباب الأردني عاطل عن العمل، فضلًا عن معدلات الفقر التي وصلت إلى مستويات، قد تُنذر بما لا يحمد عقباه، ناهيك عما يرافق هاتين “الآفتين” من أزمات اقتصادية ومعيشية واجتماعية ونفسية، تؤثر سلبًا على ذلك الشخص العاطل عن العمل أو الفقير وأسرته، سيكون بعدها الخاسر هو الوطن.
أضف إلى ذلك، ازدياد حالات المتعاطين والمروجين للمخدرات، بمختلف أنواعها، وكذلك ارتفاع حالات الانتحار أو محاولات الانتحار، إضافة إلى أولئك المتعثرين ماليًا، وأقصد هنا المطالبين بأموال بسيطة غير مرتفعة، فسجن هؤلاء يعني ترك أولادهم في الشوارع عرضة لأن تتلفقهم عصابات “الأشرار” والبلطجية وتجار ومروجي المخدرات، لكن في الوقت نفسه يجب إيجاد طريقة لحفظ حقوق الدائنين.
“جريمة الزرقاء”، قد تكون مفترق طرق فيما يخص التشريعات والعقوبات، فهناك دول عظمى، الجميع يتغنى بديمقراطياتها وإنسانيتها وعدالتها في التعامل مع مواطنيها، تعتمد عقوبات مكررة تصل إلى أكثر من مائة عام بحق مجرمين اقترفوا جرائم مروعة، فلماذا لا نلجأ إلى اعتماد ذلك، وبالأخص في التعامل مع مكرري الجرائم، كي يعيش الوطن وأبناؤه بأمان، طالما هناك الكثير لا يريدون تطبيق شرع الله في مثل هؤلاء.

أخبار أخرى