لقد آن الأوان أن يتم تطهير الأردن من السلالات الضالة، أولئك الذين يشكلون جماعات وعصابات وشلل، ويقومون بكل ما هو مروع، من الاعتداء على الناس، وأخذ الخاوات، والسرقة، وبيع المخدرات، وارتكاب الجرائم، وابتزاز الأبرياء، وغير ذلك.
ملف فتى الزرقاء، يجب أن يفتح كل الملفات، والتقارير الأمنية تدرك حجم المشكلة، لكننا أيضا أمام ظاهرة خطيرة، نراها في كل مكان، وحين نسمع عن قصص التكفيل والتدخل أحيانا، أو قضاء فترة محدودة في السجن، ثم الخروج والعودة الى ممارسة الأفعال المشينة ذاتها، ندرك أننا أمام وضع لم تعد التدابير العادية فيه كافية، بل لا بد من حل جذري لهذا الوضع، على صعيد منع الجريمة مسبقا، وتغيير القوانين، وشن حملات التطهير في كل مكان.
هناك دول عربية تم التهاون فيها أمام ظواهر مثل أعداد الزعران، وما يفعلونه في الأحياء الشعبية، أو التجمعات التجارية، ويوما بعد آخر، بات علاج هذا الوضع صعبا جدا، وبسببه تفشت ظواهر مثل التحرش والخاوة والقتل واستعمال السكاكين للإيذاء وبيع المخدرات، وغير ذلك، حتى باتت الشرطة في تلك الدول العربية غير قادرة على التعامل مع هؤلاء، لأن هذه العصابات لا تتورع عن قتل الشرطي، بل وإرسال من يقتل أهله، من باب الانتقام.
هذا الملف؛ ملف فتى الزرقاء، يجب أن يفتح الملف الأكبر؛ ملف التغيرات الاجتماعية والأخلاقية في البلد، وهذا واقع لا يتوجب التحسس من مناقشته، تحت ذريعة أننا نمس سمعة البلد، فمن هو الذي يمس سمعة البلد، الذي يريد وقف هذا الخراب، أم الذي يبتر يدي فتى من باب الثأر؟، وقد أصبحت قصة فتى الزرقاء سوداء في الإعلام العربي والدولي أيضا.
تسمع حكايات كثيرة، عن بعض المناطق في المملكة، وقد تحولت أحياء كاملة الى مكامن للعصابات المسلحة، التي تعمل في مجال المخدرات، والتي تتعاطى كل أنواع السموم، وتسمع حكايات كثيرة عن العصابات في مجمعات المواصلات، ونحن هنا، لا نتقصد الانتقاص من سمعة الجهات التي تعالج هكذا ملفات، لكن لا بد من أمور عدة لمساعدتها، أولا الدعم السياسي الرسمي لهؤلاء، وثانيا توفير الاعداد والكوادر المناسبة والمدربة والكافية، وثالثا تأمين هذه الكوادر بالدعم المعنوي والقانوني والمالي، في مهماتهم، حتى لا تتنزل الكلفة عليهم كأفراد وأرباب عائلات، إضافة الى تعزيز التوازن بين محاربة كل هذه الظواهر، وعدم الإفراط في الصلاحيات مثل التوقيف الإداري، وفقا للحالة، كون هكذا صلاحيات مفتوحة قد تؤدي أحيانا الى تجاوز أو شطط من جانب من يطبق القانون، ونحن لا نريد هنا أي شكل من أشكال الاختلال أو الإفراط في السلطة، خوفا من التجاوزات أيضا.
نحن الآن بحاجة الى خطة أمنية واسعة، خصوصا أن تعمق ظواهر مثل الفقر، سينتج ظواهر أكثر خطورة، وهذا الملف تم التحذير منه مرارا على مدى سنوات، إلا أننا كل مرة كنا نجابه بمن يظن أننا نريد مس سمعته الشخصية أو عدم قدرته على ممارسة المسؤولية، ونحن هنا نؤكد أننا لا نتحدث عن مواقع أو أسماء، إذ نتحدث فقط عن المشهد والاختلالات فيه.
لقد كنا قبل عقدين، نسمع عن الإجرام الفردي، لكننا نسمع عن المجموعات الإجرامية اليومية، ونسمع عن ظواهر الزعران، والمجرمين الذين يمكن استئجارهم، وعن تفشي بيع المخدرات، وما يعنيه ذلك من عصابات وأعوان، وارتباط ذلك بتجارة السلاح، والسرقة، فوق الذي نراه من ارتفاع حاد في استهلاك الخمور، في كل مكان، وبحيث تجتمع هذه الظواهر معا، لتنتج وضعا جديدا، لا يمكن التهاون معه، ولا تبريره بأي عنوان.
الأردن كان نقيا وطاهرا، وسيبقى، غير أن ذلك بحاجة الى حملات تمشيط وتطهير للأردن من السلالات الضالة، على مستوى الأفراد، وعلى مستوى من يرعاهم أيضا، لأن هناك رؤوسا تدير هؤلاء، وتستخدمهم في نشاطات عدة، وهؤلاء لم يظهروا فجأة، دون إدارة عبر رؤوس جرمية، وإلا سنجد أنفسنا أمام مجرد فورة أعصاب أمام قصة فتى الزرقاء، ثم سنعود الى نومنا العميق، لنسمع لاحقا عن قصص ثانية، خصوصا أننا قبل قصة فتى الزرقاء، سمعنا عن جرائم بشعة، تورط فيها كثيرون، تحت وطأة الإدمان على المخدرات.