صدى الشعب _ أسيـل جـمال الطـراونـة
تُعد مرحلة ما بعد التخرج من أكثر المراحل حساسية في حياة الشباب، فهي مرحلة انتقالية تحمل الكثير من الطموحات والتوقعات، لكنها تتحول إلى فترة من القلق والإحباط عندما يصطدم الخريجون بعقبة البطالة.
وفي هذا السياق، تؤكد الأخصائية النفسية ريم علي جعفر أن البطالة تشكل تحديًا نفسيًا كبيرًا، لا سيما في مرحلة ما بعد التخرج، حيث يكون الشاب في ذروة استعداده النفسي والذهني للانخراط في سوق العمل، إلا أن الواقع قد لا يلبي هذه التطلعات.
تقول جعفرأن مرحلة ما بعد التخرج هي مرحلة انتقالية حساسة، حيث يكون لدى الشباب توقعات عالية بالاندماج في سوق العمل وتحقيق الاستقلالية المالية والاجتماعية، لكن عندما تطول فترة البطالة، قد يشعر الشاب بالإحباط والفشل وتدني قيمة الذات.
وتضيف أن هذه الفترة قد تهدد التوازن النفسي والعاطفي، نتيجة عدم قدرة الفرد على تحقيق أبسط احتياجاته النفسية.
كما توضح جعفر أن البطالة تعيق تحقيق الاحتياجات الأساسية كما وردت في هرم “ماسلو”، مثل الشعور بالانتماء، والحصول على التقدير، وتحقيق الذات، مما ينعكس سلبًا على الصحة النفسية للشباب.
وتشير إلى أن الشاب في هذه المرحلة قد يشعر بعدم الأهمية، ويُصاب بفقدان المعنى، خاصةً عندما يشعر بأنه غير قادر على المساهمة أو الإنجاز أو إثبات ذاته.
كما تشير جعفرإلى أبرز الأعراض النفسية التي قد تظهر على الشباب خلال فترة البطالة بعد التخرج، وتشمل القلق والتوتر المستمر بشأن المستقبل، إذ يفقد الشاب الإحساس بالأمان والاستقرار النفسي بالإضافة إلى اكتئاب خفيف إلى متوسط، تبدأ أعراضه بفقدان الحافز، واضطرابات النوم، والشعور بالعجز تدني تقدير الذات والشعور بعدم الكفاءة، ما يدفع البعض للشك في قدراتهم ومؤهلاتهم والانسحاب الاجتماعي أو تجنّب الحديث عن الوضع المهني، في محاولة للهرب من نظرات أو تساؤلات الآخرين ايضاً نوبات غضب أو انفعالات حادة نتيجة الضغط النفسي المستمر والمقارنة مع الأقران الذين حصلوا على فرص عمل.
و تشير جعفر إلى وجود فروقات محتملة بين الذكور والإناث، تعود إلى السياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة التي يعيش فيها كل منهما.
تقول جعفر الذكور غالبًا ما يشعرون بضغط مضاعف في مجتمعاتنا، حيث يُتوقع منهم أن يكونوا المعيلين الرئيسيين، مما قد يؤدي إلى مشاعر الخزي أو فقدان الهوية إذا لم يتمكنوا من العمل.
أما الإناث، فتواجه بعضهن صراعات داخلية بين الطموح المهني وتوقعات المجتمع التقليدية، مما يترك أثرًا نفسيًا يتمثل في الإحباط أو الشعور بعدم التقدير، خصوصًا إذا تم تجاهل رغباتهن في الاستقلال والعمل.
وتشدد جعفر على أهمية توفير الدعم النفسي والاجتماعي للشباب خلال فترة انتظار العمل، وتوصي بعدة خطوات يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في توازنهم النفسي، أبرزها التثقيف النفسي حول طبيعة هذه المرحلة، وأن البطالة جزء طبيعي من مسار النمو المهني وليست فشلًا شخصيًا وتعزيز مهارات التكيف، مثل المرونة النفسية، وتقبل المشاعر، ووضع خطط مرحلية وتشجيع بناء روتين يومي منتظم يساعد على الشعور بالسيطرة والاستقرار والمشاركة في أنشطة تطوعية أو تدريبية تعزز الشعور بالجدوى والانتماء ايضاً التركيز على أهداف قصيرة المدى للحد من الإحساس بالعجز أو الفشل.
كما تلعب الأسرة دورًا أساسيًا في دعم الأبناء خلال هذه المرحلة، وتوضح جعفر أن الأسلوب الذي تتعامل به العائلة مع الشاب العاطل عن العمل قد يُحدد مسار حالته النفسية وتوصي الأهل بالاحتواء دون إصدار أحكام، وتجنّب المقارنات مع الآخرين
و التواصل الفعال والداعم بدلًا من النقد أو اللوم
ايضاً المشاركة في وضع أهداف واقعية ومساندة الأبناء في تحقيقها ومنح الثقة والاعتراف بالجهود المبذولة حتى لو لم تثمر نتائج فورية
وعدم ربط قيمة الفرد بوظيفته فقط، بل النظر إلى الإنسان ككل متكامل
كما تنبه جعفر إلى أهمية مراقبة الأعراض النفسية خلال البطالة، وتوضح أنه من الضروري التوجه للحصول على دعم نفسي في الحالات التالية
إذا استمرت مشاعر الاكتئاب أو القلق لأكثر من أسبوعين وأثرت على الحياة اليومية.
في حال ظهور أفكار سلبية متكررة أو ميول لإيذاء الذات إذا حدث فقدان كامل للاهتمام بالأنشطة المعتادة، أو زيادة في العزلة الاجتماعية وعندما يشعر الشخص بأنه غير قادر على اتخاذ قرارات أو التكيف مع الوضع الراهن.
وفي ختام حديثها أشارت جعفر إلى وجود مبادرات بدأت في السنوات الأخيرة لتقديم الدعم النفسي للشباب العاطلين عن العمل في الأردن، من أبرزها:
خط الدعم النفسي الاجتماعي التابع لوزارة الصحة الأردنية، بالتعاون مع منظمات مثل “الصحة النفسية العالمية” و”اليونيس مبادرات شبابية تطوعية تقدم جلسات توعية ودعم نفسي في الجامعات والمراكز المجتمعية خدمات الإرشاد الجامعي التي قد تستمر بعد التخرج وتقدّم الدعم والمشورة عيادات نفسية ومراكز مجتمعية تقدم خصومات أو جلسات مجانية للشباب الباحثين عن عمل.
وتنصح الأخصائية الشباب بالبحث عن هذه المبادرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو مواقع الجامعات والمنظمات غير الربحية، حيث تُعلن هذه الجهات عن أنشطتها وخدماتها بشكل دوري.
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها العديد من الخريجين، يصبح من الضروري تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية، وتوفير شبكات دعم حقيقية تساعد الشباب على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بثقة وأمل.