شناعة : المسرح الأردني يمر بأصعب حالاته
صوالحة: المسرح فطرة راسخة عند الأردنيين
صدى الشعب – فايز الشاقلدي
اشتهر المسرح بمحاكاة الواقع ، الذي يبني عليه كاتب النص المشهد الدرامي ، من خلال عرض ومعالجة المواضيع الحياتية.
بهذا النوع من الفن ابتدأ المسرح تدريجيًا من الحكواتي أو القصّاص مرورا بمسرح خيال الظل ثم الأرجوز ثم اعتلاء خشبة المسرح التي جاءت تتويجا لكل التقنيات البسيطة التي سبقتها ، وتنوع شكل المسرح بتنوع الثقافة والقُطر الجغرافي .
ربما نقول أن المسرح تراجع خلال الفترة الماضية على الساحة الأردنية لا سيما خلال شهر رمضان حيث كان ينشط يقدم وجبات متنوعة من التثقيف والرفاهية التي تعتمد السخرية والضحك ، فيذهب الكاتب المسرحي مع أفكاره التي يعبر عنها بما يتناسب مع القضية المطروحة ، سياسية كانت أم اجتماعية أو اقتصادية بحيث يضيف إليها أفكارًا لا تتنافى مع عادات وتقاليد المجتمع .
يؤكد الزميل الصحفي والكاتب طلعت شناعة ، خلال لقاء خاص ل ” صدى الشعب ” أن المسرح الرمضاني الذي بدأ عام 1992 ، بمسرحية نبيل صوالحة وهشام يانس بعنوان ( أهلا نظام عالمي جديد ) ، فالمسرح الرمضاني اعتمد على إقامة عروض مسرحية وقت الافطار ،وظل مستمرا لفترة طويلة ،ولكنه اليوم يقف على مفترق طرق بين الازدهار والبقاء وبين الفناء ، خاصة ما بعد حرب الخليج وأزمة كورونا ، وعدم اهتمام المؤسسات والفنادق بالممثل الأردني ولجوء بعض الفنادق إلى ممثلين من لبنان ومصر لتقديم عروض مسرحية.
وبين الكاتب والناقد طلعت شناعة أن هناك إشكالية كبيرة نتجت عن اجترار نصوص أبعد ما تكون عن الواقع الاردني ، فقد لجأت الفنادق والقائمين على المسرح الرمضاني إلى قضايا مجتمعية وسياسية لا تحاكي عقول وثقافة المجتمع الاردني ، مؤكدا أن الواقع اللبناني يختلف كلياً عن المجتمع الأردني ، مما يجعله في مرمى سهام القطيعة والاندثار .
ولأن المسرح هو الفن المقاوم الذي يقوم على الترفيه والتحليل ، انتقد شناعة الكلام والإيحاءات الذي تعرض على شاشات في مختلف مجالات الفنون وبالذات على المسرح ، فالمسرح فاكهة المجتمع الأردني ، وأداة لرسم الثقافة والابتسامة والتقارب المجتمعي .
ويبين شناعة أن المسرح الأردني يستدعي الوقوف عند أهم المحطات التي مر بها ، بدءاً من انطلاقته الرسمية في بداية الستينيات من القرن الماضي والمسرح الجامعي وما شكله الثنائي هشام يانس و نبيل صوالحة وتقديمها المسرح السياسي ، إلى حد هذه اللحظة، لافتا إلى المشاكل التي تعترض المسرح في الأردن من قلة الموازنات وعدم استمرارية الدعم و ارتفاع أجور الفنانين.
ويعلق شناعة، قائلا “بلا شك أن الاتفاق على تقديم مغنين ومؤدين وفرق استعراضية أسهل لأصحاب الخيم الرمضانية والقنوات الفضائية من التعاقد مع فرق مسرحية جادة، كون المغني يقدم عرضا “ون مان شو” وهو معتاد على تقديمه وحده، مع فرقة موسيقية تحفظ أعماله وأعمال كبار الفنانين ، بعكس الأعمال المسرحية الساخرة والناقدة التي تكتب وتقدم فقط في موسم واحد.
وأكد ضرورة الانفاق الجاد على المسرح كي يقوم بإنجاح العمل ، فالمسرح الأردني اليوم يمر بأصعب حالاته، كما بقية الفنون، لكن المسرح بالأخص كما البورصة وأسواق المال يمر بحالة صعود وهبوط من مكسب وخسارات، واليوم هو ليس كما كان قبل أعوام من ” بخل ” القائمين عليه منوها بدور وزارة الثقافة ونقابة الفنانين في دعم المسرح.
وأثار شناعة الجدل حول البرامج والانتاجات الرمضانية المعروضة على قنوات التلفاز ، خلال شهر رمضان ، ونقص جودة أو رداءة عدد من المواد المبرمجة التي أصبحت أمراً مألوفًا وواسعاً لا يضيف أي شي للمشاهد ، والأدهى والأمر تباهي القائمبن على القطاع بِنسب المشاهدة المرتفعة .
وما يثير الحفيظة أن أغلب المسلسلات الأردنية سواءً كوميدية أو اجتماعية جميعها تكرار دون قيمة مضاعفة ، وتكرار نفس الوجوه ذاتها ” من تظن نفسها كوميدية ” ظاهرة غير صحية لأنها تسقط الأعمال التلفزيونية في الرتابة والنمطية والاجترار في الوقت الذي يجب أن يضخ الجسد الفني دماء جديدة في شرايينه بحثاً صيغ تمثيلية جديدة تحتكم لجودة الاداء .
ويرى شناعة ان أسماء الممثلين سواء المعروفة لدى الجمهور أم لا ، تفرض على المخرج بدوافع غير مهنية ، وغالباً ما تكون دعائية تسويقية من خلال استثمار شعبي لصناعه المحتوى .
وأوضح أن الأمر منافٍ لما يطمح له المشاهد بل يزيد في تكريس ظاهرة التطفل على الميدان الفني عامة وليس الدرامي فقط ، ويذهب بعض القائمين الذين يستقطبون وجوه “السوشيال ميديا” بهدف أساسي الى رفع نسبة المشاهدات ، علما أن البعض منهم غير متمكنين من مجال التمثيل الكوميدي أو الدرامي ، ولا يمتلكون مؤهلات مسرحية أو سينمائية أو تلفزيونية .
وطالب شناعة بإعادة تأهيل المشهد التلفزيوني الرمضاني ، على أساس الحوار السلس بين الأجيال المتعاقبة .
صوالحة المسرح فطرة راسخة عند الأردنيين .
ويؤكد الفنان الأردني نبيل صوالحة أن المسرح هو فطرة راسخة عند الشعب الاردني وشكل من أشكال وعيه وشعوره بتداخل الواقع بالأسطورة والمعقول بالمتخيل والوعي باللاوعي، من هذه الوجهة يبدو التعبير الدرامي هاجساً إنسانياً مشتركاً ومتنفساً للاحتياطي الوجداني والفكري عند الشعوب .
ويستعرض صوالحة أساس المسرح القائم على الاسلوب الساخر والمميز الذي يتناول قضايا اجتماعية وسياسية ، من خلال اعتلاء الممثل خشبة المسرح وحدوث تفاعل مباشر بينه وبين الجمهور .
وأشار صوالحة ل ” صدى الشعب ” أن ما يميز المسرح الأردني ، هو الاجتهاد في تطريز الابداع وفي كيفية تقديم المحتوى والابتعاد عن أسلوب الخطابة والموعظة كون اعتماد الاسلوب الكوميدي والفكاهي الناقد الذي يصل الى نتائج ايجابية بسرعة أكبر .
المسرح الاردني في هذه الفترة يفتقد الترابط الجماهيري وأصبح من دون شخصية ، بمعنى أن ما يقدم من اعمال مسرحية ما تزال تبحث في مكونات العرض المسرحي ، وأصبح يتجه نحو التقليد المسرح الاوروبي والمسرح العربي المقلد للمسرح الأوروبي ، وحتى الأعمال العظيمة التي حصدت العديد من الجوائز في مهرجانات عربية وعالمية ( وقد شاركت في بعضها ) لا تتجاوز كونها استنساخا لتقنيات المسرح الاوروبي ولا خصوصية فيها سوى أنها مسرحية ناجحة وقوية.
المسرح يتعامل مع خطاب مركّب من مجموعة عناصر أدبية وفنية بصرية وسمعية ، فهل سيموت أبو الفنون ؟