تهدئة أميركية وتصعيد إسرائيلي مع إيران

بينما تسير الإدارة الأميركية بإصرار غريب لإنجاح الدبلوماسية النووية مع إيران، تسير إسرائيل بطريق معاكس تماما. مؤخرا، قامت إسرائيل بتسريب معلومات عن ضلوعها في تفجير مفاعل نطنز الإيراني النووي، الأمر الذي أكدته تسريبات أميركية أيضا. تسريبات إسرائيل لهذه المعلومات للإعلام تدلل على افتخار بما حققت استخباريا، وتعبير واضح عن تصميم بالمضي قدما بنهج مختلف عن إدارة بايدن. أميركا، بالمقابل، تقبل بمفاوضات غير مباشرة مع إيران عبر وسطاء أوروبيين ضمن مجموعة 5+1 بهدف إعادة إيران للاتفاق النووي، فيما يستمر الخلاف بينهم حول من يقوم بالخطوة الأولى… أن تعود إيران للاتفاق ومن ثم يتم رفع للعقوبات أم أن ترفع أميركا العقوبات أولا ثم تعود إيران للاتفاق، وبين هذا وذاك، تتبدى الجهود الأوروبية لرأب الصدع وإيجاد طريق وسط بين الموقفين. يزداد المشهد تعقيدا بعد التفجير الأخير لمطار أربيل الدولي بكردستان، الذي تقع فيه قاعدة وجنود أميركيون، بطائرة مسيرة مفخخة، الأرجح أن إيران أو أذرعها هي القادرة على هكذا هجوم، وهو الهجوم الثاني من نوعه.

حالة من الفوضى الاستراتيجية تلف التعامل مع البرنامج النووي الإيراني تبرهنها الأحداث الموصوفة أعلاه، فلا يبدو أن أميركا تمتلك كامل أوراق التعامل مع الملف، ولا أنها تنسق أو تسيطر على حليفتها إسرائيل، ولا يبدو أن إسرائيل آبهة بأي شيء قد يقف بطريق استهدافها الاستخباري لإيران، ولا يبدو أيضا أن إيران قد حسمت أمرها في الذهاب باتجاه الدبلوماسية أم الاستمرار بنهج التصعيد العسكري الميداني سواء على قواعد أو جنود أميركيين أو قطع بحرية إسرائيلية في عرض المحيطات. وإلى أن يحسم اللاعبون الأساسيون أمرهم، وإلى أن يرتقي مستوى التنسيق الى ما تستحقه حساسية وخطورة هذا الملف، الى أن يحدث كل ذلك، ستبقى المنطقة عرضة للتصعيد والتصعيد المقابل، متزامنا مع جهود دبلوماسية مبعثرة غير منتجة، وهذا معناه استمرار حالة اللايقين والضبابية الضارة جدا لأمن واستقرار الإقليم.
تتزامن هذه الضبابية واللايقين في ظل استمرار أميركا باستراتيجية الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط لحساب جنوب شرق آسيا، والتوجه نحو أسلوب “القيادة من الخلف” لإقليم الشرق الأوسط المنهار أمنيا واستراتيجيا، ما يفتح الباب أمام حزمة كبيرة من الاحتمالات والمخاطر التي ستنال لا محالة من الأمن والاستقرار في المنطقة. إقليم الشرق الأوسط منهار لا يقوى على مواجهة مشاكله بذاته ولا يمتلك منظومات إقليمية تعاونية أو أمنية رادعة، وهو إقليم فيه جل المخاطر للأمن والسلم الدوليين، لذلك فالانسحاب منه دون وضع آليات عمل إقليمية فاعلة، أو على الأقل تقوية الحلفاء ليواجهوا أخطار الإقليم، سيكون مقامرة استراتيجية غير محسوبة، أثمانها عديدة، أقلها ترك الإقليم ساحة فارغة تملؤها إيران الثورية من خلال أذرعها المنتشرة وآليات عملها التي احترفت تصدير الفوضى واللااستقرار.

أخبار أخرى