كل قرار في الأردن، بات بحاجة الى أمر دفاع، حتى يتم تنفيذه، وهذه مبالغة، أيضا، فالحياة يجب ان تعود الى طبيعتها قدر الإمكان، وان نخرج من قصة أوامر الدفاع.
المقصود هنا، ضرورة رفع تطبيقات قانون الدفاع، او على الأقل اختصاره على القضايا الحساسة، التي يجمع عليها الناس، بكونها بحاجة الى امر دفاع، خصوصا، ان الوقت بات مناسبا، لإعادة التموضع، في قصة أوامر الدفاع، مع وجود قوانين ثانية تغطي كل شيء.
يخرج وزير سابق ومخضرم، مثل الدكتور وليد المعاني، ويطالب بأمر دفاع، من اجل اجبار الناس، على الحصول على اللقاح ضد كورونا، والوزير هنا، لا يعبر عن مشاعره العرفية، بل يقصد ان الاغلاقات الكلية او الجزئية، لم تؤد الى نتيجة، ويشير أيضا الى ان هناك دولا في العالم، اقتربت من العودة للوضع الطبيعي، بسبب تلقيح اغلب سكانها.
حين يؤشر وزير من طرازه، على اننا بحاجة الى امر دفاع، فهو هنا، يقول ضمنيا ان حملة حض الناس، اختياريا، على تلقي اللقاح، لم تنجح، بل ان ثلث المسجلين لا يلتزمون بمواعيد تلقي اللقاح، فنحن شعب يشك بكل شيء، ولا نريد التورط في لقاحات، لا نعرف آثارها الحالية، او المستقبلية، ولا نريد ان نكون مختبرا للتجارب، وننتظر التجربة على شعوب غيرنا، وهذه هي الخلاصة المباشرة، التي لا يريد البعض الاعتراف بها.
قبله سألت وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات، عن احتمالات الإلزام بلقاح كورونا، حين التقيناه في رئاسة الوزراء، فكانت خلاصة جوابه ان لا توجه لفرض اللقاح، بشكل اجباري على الكل، فالكميات المتوفرة، أساسا، حتى الآن، ولاحقا، قد لا تكفي لتطعيم عشرة ملايين، شخص، كما ان التوجه قد يكون نحو تطعيم الزامي متدرج، لقطاعات معينة، عبر تكييف ما، مثل الزام المسافرين، بالحصول على اللقاح، وهكذا.
ما بين وزيرين، عامل، وسابق، نقرأ المشهد، اذ هناك وجهات نظر متباينة، وربما يقال بشكل أدق ان هناك انقساما بين المتخصصين والأطباء، وحتى عامة الناس.
المفارقة اننا هنا في الأردن، نجحنا اكثر من مرة بخفض عدد الإصابات، سواء في عهد الحكومة الماضية، او الحالية، لكننا كنا سرعان ما نعود الى الوضع الخطير، فلا تعرف ما هو الحل، ما دمنا نرفض التعاون شعبيا على كل المستويات؟.
نحن شعب لا يريد اللقاح، ولا نريد إجراءات وقائية، ولا نريد حظرا كليا، ولا جزئيا، ولا نريد حظرا ليوم او يومين، ونريد أيضا ان ننجو في الوقت ذاته، وهذه استحالة طبية، وعلمية، بكل المقاييس والمعايير، وقد رأينا كيف سقطت دول عظمى تحت وطأة الوباء اللعين.
الأزمة الأكبر، التي لا بد ان يعترف بها الوزير السابق د. وليد المعاني، ان الالزام بتلقي اللقاح، سيؤدي الى كلف سياسية كبيرة، في مجتمع اعتاد على الاختلاف والشك، ولو توفي رجل بشكل عادي بعد أسبوع من تلقي اللقاح الزاميا، لقالوا ان السبب في اللقاح، وان الحكومة هي القاتلة، ولو أصيبت سيدة بالوهن، او أي مرض عادي في الكلى او الكبد، بعد فترة من تلقي اللقاح، لتم اتهام الحكومة بكونها السبب وراء هذه القصة او تلك.
لا توجد جهة في الأردن قادرة على تحمل كلفة المسؤولية السياسية، سواء كانت هي السبب حقا، وراء ضرر هذا او ذاك، بعد تلقي اللقاح، برغم ان هذه هي امراض الدنيا، واقدارها التي تحدث بشكل عادي، فكل مريض او اهل من يتوفى سوف يتهم السلطة بكونها المسؤولة، لأنها فرضت اللقاح، حتى لو اقسمت السلطة ان مأمونية اللقاح مؤكدة.
لكل هذا اجدني مختلفا، مع الوزير د. المعاني، واقرب الى رأي الوزير عبيدات، فنحن نعيش الاستحالة بكل ألوانها، فلا نريد لقاحا، ولا حظرا، ولا كمامة، ولا تباعدا اجتماعيا، ونتهم الحكومة بالتقصير في جلب اللقاحات، واذا جلبتها نتوارى عن الأنظار، ولا نريد الحصول عليها، تحوطا من مؤامرة كونية، وصلت بخيال البعض للقول انها ستغيرنا من ناحية جينية، وهكذا قد ينام المرء انسانا، ويصحو قطاً يموء بجينات جديدة.
وليعذرنا الوزير المعاني، فالكلفة السياسية لفرض اللقاح، كبيرة جدا، خصوصا، ان غياب الثقة، وسهولة توزيع الاتهامات، ستؤدي الى نتائج غير محتملة.