بإلغاء هيئة التأمين الأردنية العام 2014، فقدت الشركات في القطاع المظلة الرسمية الراعية لعمليات تنظيمهم القانوني والمؤسسي من جهة، ومتابعة حقوق المستفيدين من الأعمال التأمينية، ومنع أي تغول عليهم من جهة أخرى، فكانت للشركات والعملاء بمثابة البنك المركزي للجهاز المصرفي.
إناطة أعمال الهيئة بمديرية للتأمين في وزارة الصناعة والتجارة، والبحث المستمر عن راع رسمي لها مثل البنك المركزي زاد من الاختلالات والتشوهات في القطاع، لدرجة انك تشعر في بعض الممارسات ان الشركات تعمل كُل واحدة على حدة دون تنظيم او حتى مراقبة، وان ما يجري اليوم هو عبارة عن شكليات لا تعالج التحديات والمشاكل المزمنة في القطاع الذي يحتاج اليوم إلى تدخلات جراحية عاجلة لوضعه على المسار الاقتصادي الصحيح.
فمن يصدق ان شركات التأمين التي لا تقل اهمية اقتصادية عن البنوك تجاوز بعضها- وعددها 6 -هامش الملاءة المالية التي اعتمدت بموجب تعليمات سنة 2002 والتي حددت صراحة ان هامش الملاءة للشركات في القطاع يجب الا يقل عن 150 بالمائة من رأس المال المطلوب، والمقصود بهامش الملاءة هو نسبة رأس المال المتوفر لدى شركات التأمين إلى رأس المال المطلوب منها لمواجهة التزاماتها، وهذا يعني ان هناك شركات عاملة في القطاع لا تمتلك الحد الأدنى الواجب توفره من رأس المال لتلبية اي احتياجات او التزامات او تعهدات قد تتعرض لها او تواجهها.
بعض الشركات ما تزال تفتقد لهامش الملاءة منذ العام 2015، ولغاية الآن لم يتم تنبيهها او اتخاذ الإجراءات القانونية بتصويب اوضاعها، فمن المسؤول عن هذا التجاوز الخطير في الحكومة؟.
مشكلة كبرى تظهر في سوق تأمين السيارات من خلال التجاوز او التحايل على مفهوم التأمين الإلزامي والضحية هو المواطن الذي يقع في شرك بعض وسطاء التأمين، فكما هو معروف تنحصر غالبية مشاكل شركات التأمين او خسائره تنحصر بشكل كبير للتأمين الإلزامي وتفريعاته المختلفة، حيث إن التأمين الإلزامي المتضمن في وثيقة الشامل يعاني من نفس المشكلة وهي النتائج السلبية، فحسب تقرير أعمال التأمين 2019 الصادر عن الاتحاد الأردني لشركات التأمين، فنتائج هذا النوع أدت لخسائر فاقت 38 مليون دينار منذ العام 2015 حتى العام 2019، وعلى الرغم من ذلك فإن تعليمات تحديد حجم الاكتتاب لم تتطرق له من قريب أو بعيد، مما أدى إلى بروز ظاهرة خطيرة تمارسها بعض الشركات التي تصل للحد الأقصى من الاكتتاب في الإلزامي وهي بيع “وثيقة تأمين الخسارة الكُلية ” أو كما يتم تداوله من قبل بعض السماسرة في مراكز الترخيص “تأمين نصف شامل”.
وثيقة التأمين هذه ببساطة وثيقة تأمين إلزامي مغلفة بغطاء التأمين الشامل على الرغم من أنها لا تغطي جسم المركبة لا كُلياً كما تدعي بعض شركات التأمين ولاجزئيا، سعرها مقارب إن لم يكن مساوٍ لسعر وثيقة الإلزامي وبالتالي تتعمد شركات التأمين التي تمارس هذا النوع إلى عدم وضع قيمة المركبة الحقيقية في وثيقة التأمين بهدف حصر مسؤوليتها في الشق الإلزامي فقط.
ولكن إذا كانت الشركات تعاني من نتائج التأمين الإلزامي، فلماذا تتهافت بعض الشركات عليه بهذه الطريقة؟.
الإجابة برأيي هي نقص السيولة وبالتالي محاولة تغطية التزامات سابقة بسيولة حالية التزاماتها ستأتي مستقبلاً بما يفوق قدرة الشركة المالية.
ارتفاع الحصة السوقية لبعض الشركات من التأمين الإلزامي بما يخالف أو يلتف على التعليمات يمثل زيادة في عدد المواطنين المؤمنين الذين سيقعون ضحايا محتملين لعدم قدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها تجاههم، وهذا ينطبق حتى على الشركات التي لديها هامش ملاءة يساوي أو يفوق الحد الأدنى حالياً ولكن ليس لديها مصادر ربح كافية من عملياتها لتغطية الخسائر الناجمة عن التأمين الإلزامي.
حالات التعثر والتصفية في سوق التأمين الأردني حدثت في الماضي القريب، وضحاياها ما يزالون يعانون حتى هذه اللحظة.
فهل نحن مقبلون على حالات تعثر وتصفية جديدة؟ وما هي الإجراءات الواجب اتخاذها من الجهات الرقابية؟ وإذا تعرضت حقوق المواطنين والمساهمين للضياع فمن المسؤول؟.