صدى الشعب – راكان الخريشا
في زمن تتسارع فيه التحوّلات الإعلامية وتتبدّل فيه أنماط التلقي وصناعة الخبر، لم يعد النقاش حول الإعلام الجديد والتقليدي محصورًا في شكل المنصات أو تطوّر الأدوات، بل اتّسع ليطال جوهر الدور الإعلامي ومعنى المصداقية في وعي الجمهور، وبين زخم السرعة وهيمنة “الترند”، تبرز أسئلة عميقة حول الثقة، والمسؤولية، وقدرة الإعلام على ملامسة حياة الناس دون التفريط بقيمه المهنية، في مرحلة دقيقة تعيد رسم العلاقة بين الصحافة والجمهور، وتفرض مراجعة شاملة لمفهوم السبق والتأثير في المشهد الإعلامي المعاصر.
وفي هذا السياق أكدت رئيسة قسم الإعلام في الجامعة الأردنية، الدكتورة نفين حلالشة، إن منصات التواصل الاجتماعي باتت تشكّل أداة حديثة ومؤثرة بيد المؤسسات الإعلامية، تتيح لها توسيع دائرة التفاعل مع الجمهور والحصول على تغذية راجعة مباشرة، فضلًا عن تمكينها من فهم تفضيلات المتلقين وآرائهم وميولهم، وأوضحت أن الأصل في هذه المنصات أن تكون عنصرًا معزّزًا للمؤسسة الإعلامية، لا بديلًا عنها.
وبيّنت حلالشة أن تراجع ثقة الجمهور بالإعلام لا يمكن تحميله لوسائل التواصل الاجتماعي بحد ذاتها، معتبرة أن الثقة تُبنى أو تُفقد مع المؤسسة الإعلامية نفسها، بغضّ النظر عن القناة المستخدمة. وأضافت أن الجمهور إذا فقد ثقته بمؤسسة إعلامية معينة، فإن هذا الفقدان ينسحب على جميع منصاتها، سواء كانت تقليدية أو رقمية، ما يعني أن الإشكالية تتعلق بالمصداقية المهنية لا بالأدوات.
وفي حديثها عن الفارق بين الإعلامي وصانع المحتوى، شددت على وجود مسافة واضحة بين الطرفين، موضحة أن صانع المحتوى يمتهن إنتاج محتوى رقمي، في حين يحمل الإعلامي رسالة إعلامية قائمة على القيم المهنية والمسؤولية المجتمعية، وأكدت أن وعي الجمهور اليوم تطوّر إلى حدّ بات قادرًا فيه على التمييز بين المحتوى الإعلامي المهني والمحتوى الترفيهي أو التجاري، مشيرة إلى أن الإعلامي حين يتجه إلى صناعة المحتوى الرقمي، فإن حضوره يكون أقوى وأكثر تأثيرًا، لأنه يبقى ملتزمًا بجوهر الرسالة الإعلامية وقيمها مهما اختلفت المنصة.
ورفضت حلالشة فكرة الصراع أو الإحلال بين الإعلام التقليدي والإعلام الحديث، معتبرة أن الإعلام الرقمي هو امتداد طبيعي وتطوّر منطقي للإعلام التقليدي، وليس منافسًا له، وأوضحت أن أي مؤسسة إعلامية تقليدية لا بد أن يكون لها حضور فاعل في الفضاء الرقمي، وإلا فإنها تخاطر بالانكفاء والتراجع في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشمل مختلف جوانب الحياة، من التعليم إلى المعاملات والخدمات.
وأكدت أن الإعلام الحديث يمثّل شكلًا تكامليًا وتمثيلًا رقميًا كاملًا للمؤسسة الإعلامية، محذّرة من أن رفض الانخراط في هذا الفضاء قد يقود المؤسسات الإعلامية إلى الزوال، في وقت بات فيه العالم بأسره يتجه نحو الصيغة الرقمية كخيار لا رجعة عنه.
وفيما يتصل بالضوابط المهنية، شددت رئيسة قسم الإعلام في الجامعة الأردنية على أن أي مؤسسة تتخذ طابعًا إعلاميًا، سواء عملت بالشكل التقليدي أو الرقمي، مطالبة بالالتزام بقيم المهنة وأخلاقياتها، وفي مقدمتها الدقة، وتحري المعلومات من مصادرها، والموضوعية، والمصداقية. وأكدت أن الفضاء الرقمي لا يجب أن يكون مبررًا للتفريط بأصالة الرسالة الإعلامية أو تجاوز الضوابط الأخلاقية.
وتطرقت حلالشة إلى ظاهرة “الترند”، مؤكدة أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا أساسيًا في صناعته وانتشاره على نطاق واسع بين مختلف فئات الجمهور، لكنها حذّرت في الوقت ذاته من خطورة اللهاث وراء الترند على حساب المعايير المهنية، موضحة أن أي عمل إعلامي يسعى لتحقيق الانتشار دون الالتزام بالدقة والموضوعية ستكون له آثار سلبية على المجتمع، كما سيؤدي مع الوقت إلى تآكل سمعة المؤسسة وفقدان ثقة جمهورها.
وختمت بالتأكيد على أن المؤسسات الإعلامية الحقيقية تضع الدقة والمصداقية في قمة هرم القيم، حتى عند اعتمادها استراتيجيات تسرّع النشر وتواكب الحدث، مشددة على أن الظهور كترند عابر قد يحقق انتشارًا مؤقتًا، لكنه لا يصنع إعلامًا مهنيًا مستدامًا، ولا يحفظ مكانة المؤسسة على المدى البعيد.






