صدى الشعب – راكان الخريشا
في زمن تتسارع فيه التحوّلات الإعلامية وتتبدّل فيه أنماط التلقي وصناعة الخبر، لم يعد النقاش حول الإعلام الجديد والتقليدي محصورًا في شكل المنصات أو تطوّر الأدوات، بل اتّسع ليطال جوهر الدور الإعلامي ومعنى المصداقية في وعي الجمهور، وبين زخم السرعة وهيمنة “الترند”، تبرز أسئلة عميقة حول الثقة، والمسؤولية، وقدرة الإعلام على ملامسة حياة الناس دون التفريط بقيمه المهنية، في مرحلة دقيقة تعيد رسم العلاقة بين الصحافة والجمهور، وتفرض مراجعة شاملة لمفهوم السبق والتأثير في المشهد الإعلامي المعاصر.
وفي هذا السياق قدّمت مديرة دائرة الإعلام والاتصال في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتورة ربا زيدان، قراءة عميقة في تحوّلات المشهد الإعلامي، مؤكدة أن الجدل القائم بين الإعلام الجديد والتقليدي يتجاوز مسألة الأدوات والمنصات إلى سؤال أكثر جوهرية يتعلق بدور الإعلام ومعنى الثقة في زمن مضطرب.
وقالت زيدان لم يعد الحديث عن الإعلام الجديد والتقليدي حديثًا عن أدوات أو منصات، بل عن معنى الدور الإعلامي نفسه، نحن لا نعيش انتقالًا تقنيًا بقدر ما نعيش لحظة اختبار للثقة من نصدّق، ولماذا، وعلى أي أساس؟ فالإعلام الجديد لم يظهر ليكون بديلًا مباشرًا عن الصحافة التقليدية، بل جاء استجابة لفراغ بين الخطاب الإعلامي وتجربة الناس اليومية، لقد فتح مساحات أوسع للتعبير وكسر احتكار النشر، لكنه لم ينجح بعد في بناء منظومة مهنية متكاملة قادرة على المحاسبة الذاتية والاستمرارية.
وأضافت زيدان رغم التحوّلات، تظل الصحافة التقليدية بخبرتها وقواعدها الأخلاقية مرجعية معرفية لا يمكن تجاوزها بسهولة، حتى مع تبدّل الوسائط، وفي المقابل، لا يمكن إنكار الدور المحوري الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي في إعادة تشكيل علاقة الجمهور بالإعلام، ليس بوصفه انقلابًا على الصحافة، بل كشفًا لتراكمات سابقة، من لغة رسمية بعيدة عن الناس إلى أجندات متشابهة وإيقاع لا يواكب التحولات الاجتماعية المتسارعة.
وأشارت زيدان إلى أن صعود صُنّاع المحتوى جاء لأنهم بدوا أقرب إلى الناس وأكثر قدرة على السرد بلغة شخصية، موضحةً أن الجمهور لم يكن يبحث عن إعلام مثالي، بل عن صوت يشعر أنه يسمعه ويمثّله لكنها حذّرت في الوقت ذاته من كلفة هذا القرب، قائلة: سباق السرعة والترند أعاد تعريف السبق بوصفه زمنًا لا معرفة، حيث تُنشر الأخبار قبل اكتمالها ويُقدّم التفسير قبل فهم السياق.
وختمت زيدان لسنا أمام صراع صفري بين إعلام قديم وجديد، بل أمام مرحلة إعادة توزيع للأدوار، المستقبل يتجه نحو اندماج مشروط، إعلام جديد يتعلّم أن الحرية بلا مسؤولية لا تصنع ثقة، وصحافة تقليدية تعيد النظر في لغتها وعلاقتها بجمهورها دون التخلي عن جوهرها المهني. فالرهان الحقيقي ليس من يسبق إلى النشر، بل من يفهم أثر ما ينشره، لأن الإعلام في جوهره علاقة ثقة طويلة النفس تُبنى ببطء وتُختبر في لحظات الارتباك قبل أوقات اليقين.
