صدى الشعب – كتب م.مدحت الخطيب
في كل دول العالم، يفرح الصغير قبل الكبير، والمهتم قبل غير المهتم، حين يحقق منتخب بلاده فوزاً رياضياً. لأن المنتخب ليس مجرد أحد عشر لاعباً في الملعب، بل مرآة وطن، وراية كرامة، ولحظة إجماع نادرة تتوحد فيها القلوب على نبض واحد. وفي الأردن، لم يعد هذا الفرح عابراً أو طارئاً؛ بل صار نهجاً وهوية، تُبنى بصبر وتُحصد بعزيمة.
منذ سنوات، تطورت كرة القدم الأردنية تطوراً حقيقياً، مدروساً، لم يأتِ بالصدفة ولا بالمجاملات. تطورٌ تأسس على دعمٍ ملكي واضح، وعلى شغفٍ شعبيٍ جارف، وعلى إيمانٍ عميق بأن مكان الأردن الطبيعي هو فوق منصات التتويج، لا على هامش المشهد. هذا الإيمان لم يعد شعاراً يُرفع، بل واقعاً يُصنع.
أمس، سطّر منتخب النشامى سطراً جديداً في كتاب كرة القدم الأردنية. لم يكن فوزاً عادياً، بل درساً في الروح والانضباط والالتزام. جمال السلامي، المدرب الوطني، لم يقد فريقاً فقط، بل قاد فكرة: أن الانتماء قبل التكتيك، وأن القميص الوطني أثقل من أي اسم، وأن الفوز يبدأ من العقل وينتهي في القلب. ومعه كوكبة رائعة من اللاعبين، آمنوا بأن السجود بعد الهدف ليس استعراضاً، بل شكرٌ، وبأن العرق على العشب هو الطريق الأقصر لرفع العلم.
لهذا سُمّي هذا الفريق بـ منتخب الساجدين؛ لأنهم حين ينتصرون لا يتعالون، وحين يسجلون لا ينسون، وحين يُصفّق لهم الجمهور يدركون أن التصفيق أمانة لا مكافأة. سجودهم ليس طقساً، بل رسالة: أن التوفيق لا يُشترى، وأن الوطن لا يُخدم بالكلام.
ومع هذا الفرح المستحق، يبقى في القلب غصّة. غصّة اسمها المجاملة على حساب الوطن. أن تجد في الصفوف من يصفّق بيد ويطعن بالأخرى، من يلبس قميص الأردن جسداً وقلبه مع غيره، من يخلط العروبة – وهي شرف – بتضييع الهوية الوطنية – وهو خطأ. نعم، كلنا عرب، ونفرح لفرح أي عربي، ونحزن لحزنه، لكن كما يقول المثل: من بعد نفسك عدّ صاحبك. والذي لا يرى في بلده أولوية، لن يكون خيره خالصاً لغيره.
الوطن ليس محطة عابرة، ولا لافتة تُرفع حسب المزاج. الوطن موقف، ووضوح، وانحياز صريح عند اللحظة الفاصلة. ومن لا ينحاز للأردن حين يفوز، لن ينحاز له حين يخسر. ومن لا يفرح له اليوم، لن يدافع عنه غداً.
منتخب النشامى أعاد تعريف الفرح، وأعاد ترتيب البوصلة. قال لنا إن الانتصار يُصنع بالإخلاص، وإن السجود بعد الهدف أصدق من ألف خطاب، وإن الأردن حين يُراهن على أبنائه، يكسب الرهان.
هذا ليس مقال كرة قدم فقط. هذا بيان انتماء.
تحية لمنتخب الساجدين…
وتحية لوطنٍ يستحق أن نفرح باسمه أولاً، ودائماً.
حمى الله الوطن ملكاً وشعباً وجيشا ومنتخبا وكما نقول في كل فوز كل العرب إخوان بس بعون الله الكأس بعمان






