العناتي: الإعلام مسؤول عن بناء الثقة وتقليل القلق
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
في وقتٍ تتزاحم فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتتصاعد فيه حرارة النقاشات اليومية على مواقع التواصل، يبرز سؤالٌ جوهري يشغل الأردنيين، هل أصبحنا سوداويي التفكير أم أن الواقع نفسه سوداوي.
وبين من يرى أن موجة الإحباط الحالية ليست سوى “عدوى نفسية جماعية”، ومن يؤكد أن الظروف المعيشية الضاغطة كافية لصناعة هذا الكم من التشاؤم، تتشابك العوامل حتى تُربك القدرة على التمييز بين الذهني والواقعي، وبين الخوف الطبيعي والتشاؤم المَرَضي.
إدارة الذات والقيادة الإيجابية تصنع مجتمعاً وعائلة إيجابية
وبهذا الإطار، أكدت مدربة المهارات الحياتية الدكتورة غدير العناتي، أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والظروف الإقليمية الراهنة تركت انعكاسات واضحة على نفسية المواطن الأردني، مشيرة إلى أن التعامل مع هذه التحديات يتطلب امتلاك مجموعة من المهارات الحياتية التي تمكّن الأفراد من تجاوز الضغوط دون فقدان الأمل.
وقالت العناتي خلال حديثها لـ”صدى الشعب” إن من أبرز هذه المهارات مهارة الصمود دون فقدان الأمل، مؤكدة أن الأمل يشكّل الدافع الأساسي لتحقيق الأهداف الشخصية والوظيفية على حد سواء، إذ لا يستطيع الإنسان، في ظل غياب الأمل، أن يواصل السعي أو يحقق طموحاته، ما يستدعي تعزيز النظرة الإيجابية تجاه الوطن والمستقبل رغم التحديات.
وأضافت أن مهارة التكيّف والتأقلم مع المتغيرات السريعة باتت ضرورة ملحّة، لا سيما في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم، والذي أسهم بدوره في إضعاف بعض الروابط العاطفية والاجتماعية، مؤكدة أن هذه الروابط تشكّل عنصراً داعماً لشعور الإنسان بالأمان والاحتواء النفسي، وتسهم في إشباع احتياجاته الاجتماعية.
وأوضحت أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يستمد شعوره بالتقدير والاحترام من الجماعة التي ينتمي إليها، لافتة إلى أن الروابط الأسرية والعشائرية تُعد حجر الأساس في تعزيز القدرة على مواجهة الضغوط والتحديات المختلفة.
وبيّنت أن المزاج السوداوي يرتبط بانعدام الثقة بالله وبقدرة الخالق على تغيير الحال من الأسوأ إلى الأفضل، مؤكدة أن الإيمان يشكّل دائماً إلهاماً روحياً قوياً تستند إليه النفس البشرية، ومنه تنبع الإيجابية الحقيقية، مشددة على أن الإيجابية ليست شعاراً زائفاً يُتداول، بل ممارسة عملية تتطلب تغيير وجهة النظر التشاؤمية التي تركز فقط على الجوانب المظلمة من المواقف والأشخاص.
وأكدت في هذا السياق أهمية امتلاك مهارة إدارة الذات، بما يعزز القيم الإيجابية في حديث الفرد مع نفسه أولاً، قبل أن ينعكس سلوكه على الآخرين، محذّرة من نشر السلبية والسموم في المحيط الاجتماعي، ومشيرة إلى أن القيادة الإيجابية تؤثر بشكل غير مباشر في الموظفين وزملاء العمل وأفراد الأسرة.
الشباب الأردني أمل المستقبل والجيل الرقمي الصاعد
وأشارت إلى أن الكلمة تُعد سلاحاً نافذاً، إذ يمكن أن تجرح القلوب أو تدمّر النفسيات، مؤكدة أن التخلي عن السوداوية يبدأ بكسر الحلقة المحبطة ورفض الانخراط في ثقافة الشكوى المستمرة التي أصبحت، في كثير من الأحيان، أساس الحوار بين الناس، دون الالتفات إلى شكر النعم أو تقدير الإيجابيات.
وشددت على أن تعزيز مهارات التفكير الحلولي يُعد من أهم المهارات الحياتية والسلوكية التي تسهم في بناء الإدارة الذاتية وضبط السلوك والتفكير السلبي، لافتة إلى أن أثر ذلك ينعكس بشكل مباشر على مفهوم المواطنة المسؤولة والواعية، ويسهم في بناء مجتمع إيجابي، وعائلة إيجابية، وبيئة عمل إيجابية.
وأضافت أن المواطنة الإيجابية تتطلب الامتناع عن نشر الشائعات التي تُضعف الثقة بالإنجازات، مؤكدة أن المواطنة المسؤولة تعني الالتزام بالنزاهة، والإيمان بأن الجهد الفردي الصادق هو الطريق الحقيقي للنجاح، إلى جانب اعتماد لغة “نحن” بدلاً من “أنا”، لما لذلك من دور في تعزيز العمل الجماعي والمسؤولية المشتركة.
وفيما يتعلق بالحوار العام، لفتت إلى أن العديد من النقاشات، خاصة العامة والسياسية، تتجه نحو لغة التشكيك والتخوين، وترفض وجود أشخاص نزيهين قادرين على القيادة بالتأثير الإيجابي، الأمر الذي يحدّ من استمرارية هذه النماذج ويضعف فاعليتها في المجتمع.
وحول دور الإعلام الأردني، أكدت أهميته في عدم تضخيم السلبيات والتركيز على العناوين الجدلية بهدف جذب المشاهدات، لما لذلك من أثر في زيادة شعور المواطن بالقلق وعدم الأمان، وتعزيز مخاوفه تجاه الأزمات، داعية إلى تبنّي خطاب إعلامي يبث الثقة بالحلول، ويسلّط الضوء على القصص الإيجابية للأفراد والمؤسسات.
وأشارت إلى أن الشباب الأردني يتابع بشكل واسع مواقع التواصل الاجتماعي، ما يستدعي تخصيص مساحات أكبر لعرض نماذج الشباب المثابر والريادي والعصامي، باعتبارهم أمل المستقبل، ولما سيكون لهم من دور فاعل في تنمية الجيل الرقمي الصاعد.
وأكدت على أن دمج القيم الحميدة، وإعادة بث قيم المواطنة، وتعزيز دور الشباب في تحمّل المسؤولية الوطنية والأخلاقية، بالتوازي مع التحول الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، من شأنه إحداث ثورة نوعية تسهم في بناء مجتمع إيجابي وفاعل.
