شنيكات لـ”صدى الشعب”: واشنطن تغيّر استراتيجيتها تجاه سورية وترجّح خيار الاستقرار على العقوبات
شنيكات: الأردن تحمل أعباء اقتصادية وبنيوية كبيرة نتيجة العقوبات وتدفق اللاجئين
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
يشكل تصويت الكونغرس الأميركي على إلغاء قانون قيصر مؤشراً سياسياً لافتاً على تغير جوهري في مقاربة واشنطن للملف السوري، بعد سنوات من الاعتماد على العقوبات كأداة رئيسية للضغط، إذ باتت الولايات المتحدة تنظر إلى الحالة السورية من زاوية مختلفة ترتكز على أولوية الاستقرار ومحاربة الإرهاب، لا سيما في ظل المتغيرات التي أعقبت سقوط النظام السابق واستمرار الحرب على تنظيم داعش.
ويعكس القرار الأميركي توجهاً جديداً في إدارة العلاقة مع سورية، يقوم على إعادة تقييم دور الحكومة السورية المقبلة وإمكانية التعامل معها بوصفها شريكاً محتملاً في تحقيق الأمن وضبط الحدود، بدلاً من سياسة العزل السابقة، في وقت تتداخل فيه تحديات الداخل السوري المتمثلة بالانقسامات المجتمعية مع رهانات إقليمية معقدة، أبرزها محاولات الاحتلال الإسرائيلي الدفع باتجاه نزعات انفصالية تهدد وحدة الدولة السورية.
الاحتلال الإسرائيلي يدفع باتجاه تقسيم سورية ويغذي النزعات الانفصالية
وفي هذا السياق، أكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، الدكتور خالد شنيكات، أن دلالات تصويت الكونغرس الأميركي على إلغاء قانون قيصر والعقوبات الأميركية بالمجمل المفروضة على سورية، تشكل تأكيداً عملياً لما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبان زيارته إلى المملكة العربية السعودية، حين أعلن أنه أمر برفع العقوبات عن سورية، وهو ما يعكس تغيراً واضحاً في الموقف الأميركي من الحالة السورية ككل.
وأوضح شنيكات خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن هذا التحول يعبر عن تغيير في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع سورية بعد سقوط النظام السابق، لافتاً إلى أن الحالة السورية الجديدة باتت تُقرأ من منظور مختلف لدى واشنطن، خاصة في ظل استمرار الولايات المتحدة في خوض حربها ضد تنظيم داعش، ورؤيتها بأن النظام السوري الجديد قد يشكل حليفاً محتملاً لها، على عكس النظام السابق الذي كان، بشكل أو بآخر، جزءاً من الصراع، وكانت لديه إشكالية صراع مباشر مع الولايات المتحدة، ما جعله بنظرها غير قابل للتأهيل، وهو ما يشكل القضية الأساسية في هذا التحول.
وبيّن أن من بين القضايا الأخرى المرتبطة بالموقف الأميركي، أن هدف الولايات المتحدة قد يكون التركيز على تحقيق الاستقرار أكثر من الحديث عن إيجاد عملية تحول سياسي شاملة في المرحلة الحالية، إلى جانب تعقيدات الداخل السوري، المتمثلة في الانقسامات القائمة داخل سورية، لا سيما في ما يتعلق بالأكراد والدروز، وربما في منطقة الساحل أيضاً، حيث قد تظهر إشكاليات مرتبطة بالعلويين، مؤكداً أن هذه التحديات لا تزال قائمة حتى الآن.
وأشار إلى أن الموقف الأميركي الرسمي يدعو إلى وحدة الأراضي السورية، إلا أن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تتجه، وفق المعطيات، نحو مسار مغاير يقوم على تشجيع تقسيم سورية وتعزيز النزعات الانفصالية، كما يظهر من خلال دعمه لبعض المكونات، وعلى رأسها الدروز، إضافة إلى دعمه للأكراد، وهو ما يعقد المشهد السوري ويطرح تساؤلات حول مستقبل وحدة البلاد.
وفيما يتعلق بالأردن، أوضح أن المملكة يمكن أن تستفيد من هذا التحول الأميركي عبر تنشيط العلاقات التجارية مع سورية، خاصة أن الأردن تحمل خلال السنوات الماضية تكاليف كبيرة نتيجة العقوبات الأميركية، التي أدت إلى انقطاع التجارة مع النظام السوري السابق، فضلاً عن تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، الأمر الذي شكل ضغطاً متزايداً على البنية التحتية الأردنية، وأعباء إضافية على قطاعات التعليم والصحة وغيرها من المجالات، لضمان استدامة الحياة للسوريين، سواء في المخيمات أو في المدن التي انتقلوا إليها.
رفع العقوبات سينعكس إيجاباً على الاستقرار وتنشيط الاقتصاد السوري
وأكد أن أي تحسن في الأوضاع الاقتصادية السورية نتيجة رفع العقوبات، وما قد يرافقه من بحبوحة اقتصادية، سينعكس بشكل مباشر على تعزيز الاستقرار داخل سورية وتنشيط الحياة الاقتصادية، محذراً في الوقت ذاته من أن استمرار أو تشديد العقوبات الاقتصادية قد يؤدي إلى تصاعد النزعات المتطرفة داخل سورية، وتعزيز النظرة العدائية تجاه العالم الخارجي، بما يعيد إنتاج بيئة عدم الاستقرار.
ولفت إلى أن تغيير المقاربة الأميركية تجاه سورية، والذي جاء أصلاً بدعم من تركيا والسعودية والأردن، يعد خطوة ضرورية في سياق إعادة تأهيل سورية كدولة، مع وجود احتمالية لحدوث تغيير إيجابي في الوضع السوري، وإن كان من غير المتوقع، في المرحلة الراهنة على الأقل، أن تشهد سورية تحولاً إلى نظام ديمقراطي كامل، نظراً لارتباط ذلك بتغيرات عميقة في نمط الثقافة السياسية، وتبدل الرؤية تجاه الحياة السياسية بشكل عام.
وأضاف أن وجود حكومة سورية قوية سيسهم في تسهيل ضبط الحدود، وتعزيز السيطرة على الأراضي السورية، خاصة في المناطق الخارجة عن السيطرة، التي تنشط فيها تنظيمات مثل داعش وجماعات أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى منح الحكومة السورية مسؤوليات جديدة، تتمثل في الالتزام الدولي بصفتها الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون البلاد، وتحمل مسؤولياتها تجاه دول الإقليم ودول العالم الأخرى.
وأكد على أن التحدي الأبرز الذي يبقى ماثلاً في المشهد السوري، يتمثل في التدخلات المستمرة للاحتلال الإسرائيلي، والتساؤلات المفتوحة حول اتجاه هذه التدخلات ومستقبلها داخل الساحة السورية.






