أشار خبراء ومختصون تربويون إلى أن تراجع نتائج الطلبة الأردنيين في الاختبارات الدولية، خاصة في مجالي الرياضيات والعلوم، يعكس تحديات كبيرة تواجه النظام التعليمي.
وأكدوا خلال حديثهم لـ”صدى الشعب” أن هذا التراجع يتطلب تدخلات عاجلة ومدروسة لتحسين الأداء التعليمي، بدءًا من تطوير المناهج الدراسية وتدريب المعلمين، وصولاً إلى تحسين البيئة المدرسية.
وبينوا أن التراجع في النتائج لا يعود فقط إلى الفاقد التعليمي الناتج عن جائحة كورونا، بل أيضاً إلى قصور في استراتيجيات التعليم الحالية وتحديات أخرى مثل اكتظاظ الصفوف وضعف مهارات التفكير العليا لدى الطلبة.
وشددوا على أهمية الإصلاح الشامل في النظام التعليمي، مشيرين إلى أن أي تحسن في نتائج الاختبارات الدولية يتطلب تبني سياسات تعليمية متكاملة تضمن توافر البيئة المدرسية المناسبة والموارد التعليمية الفعالة.
وأظهرت نتائج دراسة التوجهات الدولية (تيمس) تراجعا في متوسط الأداء لـ14 دولة في الرياضيات، بما فيها الأردن، مقارنة بنتائج 2019، وقد بلغ متوسط أدائهم 388 درجة بانخفاض قدره 32 درجة، في حين بلغ المتوسط الدولي 478 درجة.
وبحسب النتائج، انخفض متوسط الأداء 15 دولة في العلوم، بما فيها الأردن، وبلغ متوسط أداء طلبته 413 درجة بانخفاض قدره 39 درجة، في حين بلغ المتوسط الدولي 478 درجة، كما انخفض متوسط الأداء الدولي في الرياضيات 11 درجة وفي العلوم 12 درجة، اما على صعيد الدول المشاركة فحصل الاردن في الرياضيات على المرتبة 39 وفي العلوم 37، من بين 42 دولة مشاركة.
النعيمي: إصلاح التعليم والنتائج الدولية يبدأ بتطوير المعلم والبيئة المدرسية
وبهذا الشأن أعرب وزير التربية والتعليم السابق، الدكتور تيسير النعيمي، عن قلقه إزاء النتائج الأخيرة لاختبارات “تيمس” الدولية، التي تم الإعلان عنها قبل أيام، والتي أظهرت تراجعاً ملحوظاً في أداء طلبة الصف الثامن في مجالي العلوم والرياضيات.
واعتبر أن هذه النتائج تعد بمثابة جرس إنذار، مما يستدعي النظر في الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع، خاصة بعد أن شهدنا تحسناً في الأداء خلال العام الدراسي 2018-2019.
وقال خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن اختبارات “تيمس”، التي تجرى كل أربع سنوات، تعتبر من الأدوات الدولية التي تقيس أداء الطلاب في مجالات العلوم والرياضيات على مستوى العديد من الدول.
وأضاف أنه منذ بدء مشاركة الأردن في هذه الاختبارات عام 1999، كانت النتائج تتسم بتذبذب واضح، إذ شهدنا تحسناً ملحوظاً بين عامي 1999 و2011، ليبدأ التراجع بعد ذلك، بشكل خاص في نتائج الصف الثامن.
وأشار إلى أن الأردن شهد تراجعاً آخر في عام 2015، لكنه استطاع أن يحقق بعض التحسن في 2019، قبل أن يعود التراجع مجدداً في نتائج 2023.
وأشار إلى أن هذا التذبذب في النتائج يبرز حقيقة مهمة، وهي أن مجال التحسين والتطوير في النظام التعليمي الأردني لا يزال موجوداً، مما يستدعي بذل المزيد من الجهد والعمل على تحسين الأداء.
وأضاف أن هذا التراجع في الأداء يدل على أننا قد لا نكون قد استفدنا بما فيه الكفاية من الدراسات الدولية لتحسين جوانب عديدة في نظامنا التعليمي.
وأوضح أن الفاقد التعليمي، الذي أصبح مصطلحاً شائعاً بعد جائحة كورونا، لا يرتبط مباشرة بالدراسات الدولية، بل هو يشير إلى الفجوة بين مستويات أداء الطلبة قبل وبعد الجائحة.
ولفت إلى أن هذه الفجوة قد تم ملاحظتها على مستوى العالم، وأدى الفاقد التعليمي إلى تراجع في تحصيل الطلاب في مختلف المجالات الدراسية، خاصة في القراءة والحساب.
وأشار إلى أن الوزارة بدأت في عام 2021 بتطبيق خطة وطنية لمعالجة هذه الفجوة، والتي تهدف إلى سد الفجوة التعليمية وتعويض ما فاته الطلاب من مهارات أساسية.
وفي إطار الحديث عن خطة معالجة الفاقد التعليمي، أكد أن هذه الخطة رغم أهميتها، لا تكفي بمفردها، داعياً إلى ضرورة تبني مداخل متعددة ومدروسة لتحسين أداء الطلبة في مختلف المواد الدراسية، لا سيما في مجالات العلوم والرياضيات.
وأشار إلى أن هذه المداخل يجب أن تستند إلى الأدلة والشواهد التي تم جمعها من تحليل نتائج الطلبة في الدراسات الدولية، من أجل ضمان فعالية الإجراءات المتخذة.
وتحدث عن دراسة كان قد أجريت سابقا، والتي تم تشكيلها قبل عدة أشهر للبحث في أسباب تراجع نتائج طلبة الأردن في مجالي العلوم والرياضيات، حيث تبين من خلال التحليل أن هناك عدة عوامل تؤثر في هذا التراجع، من أبرزها كيفية إدارة الدراسات الدولية في الأردن.
وأوضح أن اهتمام الوزارة بالدراسات الدولية كان غير متسق عبر السنوات، حيث في بعض الأحيان كان هناك تركيز كبير على تحسين الأداء، مما أدى إلى حشد الموارد والطاقات في المدارس، والعمل على تحليل نتائج الطلبة بشكل معمق وتطوير خطط علاجية لتحسين الأداء.
وأضاف أن أحد العوامل الأساسية التي يجب التركيز عليها لتحسين الأداء التعليمي في الأردن هو تحسين البيئة المدرسية، موكدا أن الدراسة أظهرت أن البيئة المدرسية الآمنة تعد عاملاً حاسماً في تحسين نتائج الطلبة، حيث يشعر الطلاب بالراحة والأمان في بيئة المدرسة مما يزيد من دافعيتهم للتعلم، كما أن توفر الموارد التعليمية في هذه البيئة يعد من العوامل المهمة، بما في ذلك المواد الدراسية والمرافق التي تسهم في تحسين جودة التعليم.
وأشار إلى أهمية القيادة المدرسية الفعالة، مؤكداً أن القيادة التي تضع توقعات عالية لتحصيل الطلاب وتتابع تقدمهم تعتبر من العوامل الرئيسية في تحسين الأداء.
وأكد أن من الضروري أن تقوم الإدارة المدرسية بمتابعة الطلاب عن كثب وبناء علاقات مع الأهالي للحد من ظاهرة الغياب المدرسي، والتي أظهرت التحليلات الأخيرة أن نسبتها قد ارتفعت بشكل ملحوظ في بعض المدارس.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن الوزارة اتخذت بعض الإجراءات لمكافحة الغياب المدرسي، ولكنها لم تكن كافية للتصدي لهذه الظاهرة بشكل فعال.
وأوضح أن مجرد تعديل تعليمات الغياب المدرسي وتقليص النسبة المسموح بها من 20% إلى 10% لن يكون كافياً، بل يجب أن يتم البحث عن الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، ومعالجة مشكلة الدروس الخصوصية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على منصات التعلم الإلكتروني والمراكز التعليمية غير الرسمية.
وأكد أنه من الضروري العمل على خلق بيئة مدرسية جاذبة ومحفزة للتعلم، بحيث يشعر الطالب أنه بحاجة إلى الذهاب إلى المدرسة للاستفادة من المحتوى التعليمي في بيئة تشجع على التفكير والابتكار.
أما العامل الأهم الذي أشار إليه، فهو دور المعلم في تحسين النظام التعليمي، موضحا أن المعلم هو العامل الأكثر تأثيراً في تحقيق نجاحات تعليمية، إذ أن الدراسات الدولية تشير إلى أن أي إصلاح في النظام التعليمي يجب أن يبدأ بتحسين مستوى المعلمين.
وأكد أن المعلم يجب أن يكون مؤهلاً أكاديمياً وفي نفس الوقت يجب أن يشعر بالدعم الكافي من حيث البيئة المدرسية المحفزة والظروف المالية المريحة، بالإضافة إلى دعم التطوير المهني المستمر.
وشدد على ضرورة أن تكون تدخلات الوزارة في تطوير الأداء التعليمي مستهدفة ومستدامة، مع المتابعة المستمرة لتقييم مدى فعالية هذه التدخلات في تحسين مستوى الطلبة في مختلف المواد.
وأوضح أن الوزارة يجب أن تركز على دعم المعلمين وتوفير البيئة المناسبة لهم، بالإضافة إلى متابعة نتائج التدخلات التربوية في المدارس، بحيث لا تقتصر المتابعة على المساءلة فقط، بل تشمل أيضاً تقديم الدعم الفني للمدارس والمعلمين الذين يحتاجون إلى تطوير مهاراتهم التدريسية.
أكد أن تحسين النظام التعليمي في الأردن يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية، بدءاً من الوزارة وصولاً إلى المدارس والمعلمين، مع التركيز على تطوير بيئة تعليمية جاذبة ومحفزة للتعلم من أجل تحقيق نتائج أفضل في الدراسات الدولية وفي مستوى تحصيل الطلبة بشكل عام.
العتوم: النظام التعليمي يفتقر للتخطيط والمناهج الحالية تزيد الفجوة
من جهتها أكدت عضو مجلس النواب والخبيرة التربوية الدكتورة هدى العتوم أن وزارة التربية والتعليم تتعامل مع أرقام وإحصائيات دقيقة حول أداء الطلبة بحرص، مشيرة إلى أن الأردن شهد تراجعًا ملحوظًا في نتائج الطلبة في الاختبارات الدولية على مدار السنوات الماضية.
وأوضحت العتوم خلال حديثها لـ”صدى الشعب” أن هذا التراجع لم يكن مجرد حدث عابر، بل هو نتيجة أخطاء متكررة في التشخيص والحلول المقدمة.
وأضافت أن المناهج الحالية التي وضعها المركز الوطني لتطوير المناهج تفتقر إلى المستوى المطلوب من التفكير والعمق في مجالات العلوم والرياضيات، مشيرة انه بدلاً من تعزيز مهارات التفكير العليا، تقدم المناهج محتوى أساسيًا فقط، مما يجعل الطلبة غير مهيئين للتحديات المستقبلية، مضيفة أن بعض المحتويات الحالية في الصفوف الثانوية كان يجب تقديمها في مراحل تعليمية قبل مثل الصف العاشر.
وأشارت إلى أن تدريب المعلمين وبرامج التأهيل لم تُثمر بالشكل المطلوب، بسبب غياب آليات فعّالة لتقييم أثر التدريب داخل الغرف الصفية.
وتابعت أن البيئات الصفية المكتظة بأعداد كبيرة من الطلبة، خصوصًا في المراحل الأساسية، تجعل من الصعب على المعلم إيصال المعلومات بشكل فعال.
وانتقدت السياسات المتعلقة بالتعليم الخاص، مشددة على ضرورة دعم هذا القطاع بدلاً من ترحيل أعداد كبيرة من الطلبة إلى المدارس الحكومية، مما يزيد من الأعباء على النظام التعليمي.
وأكدت أن هناك أولويات يجب التركيز عليها، مثل تحسين مستويات اللغة العربية، والإنجليزية، والرياضيات، والعلوم، بدلاً من توجيه الموارد إلى مشاريع ثانوية مثل إنشاء غرف موسيقى ومسارح مدرسية.
وأكدت على أن النظام التعليمي الأردني يعاني من ضعف شامل يمتد إلى مختلف مراحله، من التأسيس في الصفوف الأولى وصولًا إلى مخرجات التعليم العالي.
وشددت على ضرورة العمل بشكل تكاملي لإصلاح المنظومة التعليمية لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
النوايسة: ضعف الوعي بأهمية الاختبارات الدولية يؤثر على الاستعداد
من جانبه بين الخبير التربوي عايش النوايسة عن الأسباب الكامنة وراء انخفاض أداء الطلبة الأردنيين في الاختبارات الدولية، مسلطاً الضوء على مجموعة من التحديات التي تواجه النظام التعليمي، والإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم لمعالجتها.
وأشار النوايسة إلى أن الوزارة بدأت العمل على معالجة هذا التحدي منذ عام 2022 عندما أجرت دراسة تشخيصية شاملة كشفت عن وجود خلل واضح في عمليات التعليم لدى الطلبة من الصفوف الرابع حتى التاسع في مادتي الرياضيات واللغة العربية.
وأكد أن هذه الدراسة أوضحت أن هناك ضعفاً كبيراً في المهارات الأساسية لدى الطلبة، ما دفع الوزارة إلى إطلاق خطة علاجية طموحة تمتد من عام 2023 حتى عام 2026.
وأوضح أن الخطة التي أعدتها الوزارة ليست مجرد معالجة فاقد تعليمي، بل هي تدخلات علاجية تهدف إلى إصلاح الخلل الجوهري في المهارات الأساسية لدى الطلبة.
وأكد أن هناك فرقاً بين معالجة الفاقد التعليمي، الذي يركز على تعويض المفاهيم التي لم يتعرض لها الطلبة بسبب ظروف معينة مثل جائحة كورونا، وبين التدخل العلاجي الذي يشبه التدخل الجراحي في دقته واستهدافه للمشكلات التعليمية.
وأضاف أن الوزارة طورت أدوات تعليمية علاجية تستهدف تمكين الطلبة من المهارات الأساسية، مثل القراءة والكتابة والحساب، وتم اعتماد خطة علاجية طويلة الأمد.
وأشار إلى أن الوزارة تجري حالياً تقييماً لمنتصف المدة لهذه الخطة للتأكد من فعاليتها وتصحيح مسارها إذا لزم الأمر، مؤكداً أن هذه الجهود تستمر حتى عام 2026 لضمان معالجة المشكلات بشكل جذري.
وفيما يتعلق بالمناهج الدراسية، أشار إلى وجود فجوة بين المناهج المخططة، والمناهج التي يتم تنفيذها، والمناهج المتحققة على أرض الواقع.
وبيّن أن المناهج المخططة تعتمد على إطار عام يهدف إلى تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلبة، لكن تنفيذها في الصفوف الدراسية لا يتماشى دائماً مع هذه الأهداف.
وأشار إلى أن العديد من المدارس تعاني من اكتظاظ الصفوف، حيث يصل عدد الطلبة في الصف الواحد إلى 50 أو 60 طالباً، مما يعوق تنفيذ استراتيجيات التعلم النشط التي تعتمد على إشراك الطلبة في عملية التعليم وتعزيز مهاراتهم البحثية والإبداعية.
وأوضح أن التعليم في الأردن لا يزال يعتمد على أسلوب التدريس المباشر والتلقين، ما يؤدي إلى ضعف مهارات التفكير العليا لدى الطلبة.
وأوضح أن أداء الطلبة في الصفوف الثلاثة الأولى يكون أفضل نسبياً، وذلك بسبب التأهيل التربوي العالي للمعلمين الذين يدرسون هذه الصفوف.
وأكد أن معلمات ومعلمي الصفوف الأولى يتمتعون بكفاءة عالية في تطبيق استراتيجيات تدريس متنوعة تلبي احتياجات الطلبة.
وأشار أنه المشكلة تبدأ في الصفوف الأعلى، حيث يظهر ضعف واضح في المهارات الأساسية لدى الطلبة بسبب عدم الاستمرار في تطبيق نفس النهج التدريسي.
وأشار إلى أن الاختبارات الدولية تعتمد على أسئلة تقيس مهارات التفكير العليا، وهو ما يفتقر إليه العديد من الطلبة بسبب التركيز المفرط على الحفظ والتلقين.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه الطلبة الأردنيين في الاختبارات الدولية أشار إلى أن هذه الاختبارات تُجرى إلكترونياً، في حين أن الطلبة غير معتادين على هذا النوع من التقييم، مشيرا إلى ضعف الوعي بأهمية هذه الاختبارات لدى الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، مما يؤثر على استعداد الطلبة لأدائها.
وانتقد طريقة اختيار العينات التي تمثل الطلبة الأردنيين في الاختبارات الدولية، مشيراً إلى أن المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية هو الجهة المسؤولة عن اختيار العينات.
وأوضح أن اختيار عينات من مدارس تعاني من اكتظاظ الصفوف أو ظروف بيئية صعبة قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة ولا تعكس المستوى الحقيقي للنظام التعليمي.
ودعا إلى وضع معايير دقيقة وواضحة لاختيار العينات لضمان التمثيل العادل للنظام التعليمي، مشدداً على ضرورة عدم استخدام نتائج الاختبارات للحكم على النظام التعليمي بأكمله بشكل غير موضوعي.
وأكد أن وزارة التربية والتعليم بدأت بتغيير سياستها تجاه الاختبارات الدولية من خلال التواصل مع الميدان التربوي وتوعية الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور بأهميتها، كما تعمل الوزارة على رفع جاهزية الطلبة والمعلمين لهذه الاختبارات، متوقعاً أن تكون النتائج المقبلة مختلفة تماماً إذا استمرت هذه الجهود.
واكد على أهمية الاستمرار في تنفيذ الخطط العلاجية بشكل مدروس وفعال، مشيراً إلى أن نجاح هذه الجهود يعتمد على تعاون جميع الأطراف المعنية في العملية التعليمية.