صدى الشعب – كتبت د.هناء الشلول
في قمة الدوحة الأخيرة، ألقى جلالة الملك عبد الله الثاني خطابًا يمكن وصفه بأنه خطاب مصارحة لا مواربة. منذ اللحظة الأولى، وضع جلالته القادة العرب أمام حقيقة لا يمكن إنكارها: أن الاعتداء على دولة خليجية ليس حدثًا عابرًا، بل إن إسرائيل باتت تشكّل تهديدًا مباشرًا للسيادة العربية الجماعية.
لقد أكّد جلالته أن فلسطين ليست قضية منفصلة عن بقية القضايا العربية، بل هي جوهر الأمن القومي العربي. فالدفاع عن فلسطين واستقرار الخليج، وصون سيادة أي دولة عربية، كلها حلقات في سلسلة واحدة؛ معركة وجود لا تعرف التجزئة. بهذه الرؤية، بدا الخطاب متجاوزًا للتقسيمات التقليدية، ومؤسسًا لمفهوم جديد يرى أن الأمة العربية وحدة مصير لا يمكن فصلها أو تجزئتها.
ما لفت الانتباه بقوة هو تأكيد جلالته أن إسرائيل ما كانت لتتمادى في جرائمها لولا سماح المجتمع الدولي لها بالبقاء فوق القانون. هذه الجملة حملت شجاعة سياسية نادرة، إذ تضمنت انتقادًا صريحًا لازدواجية المعايير الغربية، وتذكيرًا للعرب بأن الاعتماد على الخارج وهمٌ طالما أثبت فشله، وأن الحل الحقيقي يكمن في موقف عربي موحّد وصلب.
كما أراد الملك أن يضع حدًا لمرحلة البيانات الشكلية والإدانات المتكررة، مؤكدًا أن الأمة لم تعد تملك رفاهية الانتظار أو الاكتفاء بردود الأفعال. فقد حمل خطابه دعوة صريحة إلى الانتقال نحو خطوات عملية ومبادرات مؤثرة على المستويات السياسية والاقتصادية والإعلامية، لتحويل الموقف العربي من دائرة الانفعال إلى دائرة الفعل والتأثير. وهذه الرسالة – برأيي – هي ما تحتاجه الأمة اليوم لتستعيد زمام المبادرة.
إن قوة الخطاب تكمن في إعادة تعريف العدوان الإسرائيلي باعتباره تهديدًا استراتيجيًا للأمن القومي العربي، لا مجرد قضية فلسطينية معزولة. فخطاب الملك رفع القضية إلى مستوى الأمن المشترك، مؤسسًا لرؤية جديدة ترى أن حماية القدس، واستقرار الدول العربية، والدفاع عن السيادة الخليجية هي معركة واحدة لا يمكن فصلها.
لقد قدّم جلالة الملك في الدوحة أكثر من مجرد خطاب؛ قدّم خارطة طريق لمستقبل عربي مختلف. فمواجهة الاحتلال لم تعد خيارًا دعائيًا أو ورقة ضغط سياسية، بل أصبحت ضرورة وجودية تفرض نفسها على كل دولة عربية. الرسالة كانت واضحة: إذا لم يتحرك العرب الآن بقرارات حاسمة، فإن إسرائيل ستواصل تهديدها وتوسعها، والوقت لم يعد في صالحنا.






