دور المرأة في الإعلام والسياسة: حضور متقدم أم تحديات مستمرة
صدى الشعب _أسيـل جمـال الطـراونـة
أكدت الدكتورة أريج جبر، أستاذة العلوم السياسية في مقابلة مع “صدى الشعب ” أن المرأة الأردنية استطاعت أن تحجز موقعًا متقدمًا نسبيًا في المشهد الإعلامي، لا سيما في محطات الإعداد والتقديم، حيث يظهر حضورها بوضوح في غرف التحرير، وفي الميدان كمراسلات ومقدمات برامج.
ومع ذلك، ترى جبر أن هذا التقدم لا ينعكس بنفس القوة في مواقع صنع القرار، باستثناء مؤسسة رسمية واحدة هي وكالة الأنباء الأردنية “بترا”، التي تُعدّ حالة فريدة في تمثيل المرأة القيادي. إذ لا تزال الذكورية، بحسب تعبيرها، تهيمن على المناصب البارزة في المؤسسات الإعلامية، سواء الرسمية أو الخاصة، وهو ما يعكس غيابًا للثقة المجتمعية في دور النساء القيادي، وليس غيابًا للكفاءة أو الرغبة
كما أشارت جبر إلى أن الإعلام والسياسة مجالان يلتقيان في بعض النقاط، لكنهما لا يسيران بالوتيرة نفسها. فالإعلام بطبيعته أكثر انفتاحًا وأقل ارتباطًا بالبُنى التقليدية للسلطة، لذلك أتاح للنساء فرصًا أوسع للحضور والتأثير.
وعلى النقيض من ذلك، فإن السياسة ما تزال محكومة باعتبارات حزبية، اجتماعية وقانونية معقدة، جعلت من حضور المرأة تحديًا مضاعفًا. وحتى اليوم، فإن برامج الإعلام السياسي في الأردن ما تزال محدودة، وتكاد تكون الأقل انتشارًا على شاشات التلفزة، أما المشاركة النسائية فيها، فعادة ما تكون شكلية أو لسد فراغ مؤقت.
كما تشير جبر إلى أن الثقافة المجتمعية السائدة، وضعف الدعم الحزبي، وقصور البيئة التشريعية والتنظيمية، ما زالت تشكل عوائق كبيرة أمام النساء.
وبالتالي، لا يمكن القول إن التقدم الإعلامي للمرأة قد ترجم فعليًا إلى تمكين سياسي. فالعلاقة بين المجالين لا تزال ضعيفة، وبعض الأسماء النسائية الحاضرة سياسيًا تُستثمر إعلاميًا في سياقات محددة، أحيانًا تحت عنوان المعارضة أو المناكفة، لا في إطار بناء وطني مؤسسي مستدام.
كما تؤكد جبر على أهمية وجود إعلاميات في مواقع قيادية على مستوى تحرير الأخبار أو إدارة المؤسسات الإعلامية، معتبرة أن وجود النساء في هذه المواقع ليس مجرد تحسين للتمثيل، بل هو إضافة نوعية تُحدث فارقًا ملموسًا في السياسات التحريرية، وفي رؤية ومضمون الإعلام.
وتضيف أن المرأة القائدة تملك حساسية مختلفة في التعاطي مع القضايا، وتستطيع قراءة ما بين السطور بطريقة تتيح تسليط الضوء على موضوعات يغيبها الإعلام الذكوري، سواء بوعي أو بغير وعي. كما تشير إلى أن لدينا في الأردن إعلاميات قادرات على إعادة قولبة الإعلام وصياغته برؤية أكثر انفتاحًا، ضمن الأطر القانونية والمجتمعية.
وترى جبر أن المرأة في موقع القيادة الإعلامية يمكن أن تؤسس لثقافة مهنية أكثر عدالة، داعمة للكفاءة بغض النظر عن النوع الاجتماعي، وقادرة على تقديم نماذج ملهمة لنجاح المرأة ،وبهذا، يمكن أن تُسهم في كسر الهيمنة الذكورية التقليدية، وإعادة تعريف صورة المرأة كعنصر فاعل في بناء الوطن، لا مجرد عنصر تزييني أو شكلي.
أما في ما يتعلق بأبرز التحديات التي تواجه المرأة الأردنية في العمل السياسي، سواء كناخبة أو مرشحة أو صانعة قرار، فتوضح جبر أن الذهنية المجتمعية لا تزال تنحاز إلى سردية ذكورية تقليدية، تجعل من السياسة ساحة شبه مغلقة أمام النساء.
وتشير إلى أن التحديات تبدأ من الثقافة المجتمعية التي تفرض قيودًا نفسية وسلوكية على المرأة، ولا تنتهي عند ضعف الأحزاب السياسية في تبني النساء ودعمهن كقيادات فاعلة.
وتؤكد أن الأحزاب ما تزال تتعامل مع المرأة كرقم مكمل أو تابع، لا كفاعل رئيسي في معادلة التأثير.
وتضيف أن المرأة الأردنية، سواء في البرلمان أو في الحزب، تواجه خطابًا مشككًا في قدراتها، وغالبًا ما يُنظر إليها على أنها “كمالة عدد” لا كصاحبة مشروع سياسي حقيقي، كما يُشكك البعض في قدرتها على تحمل الضغط المجتمعي أو في جاهزيتها لتحمل مسؤولية عامة.
هذا الخطاب، بحسب جبر، يُحبط الكثير من النساء، ويُقلل من فرص ظهورهن كمنافسات حقيقيات في المشهد السياسي، وحتى على مستوى المشاركة كناخبة، فإن المرأة تواجه ضغطًا عشائريًا أو أسريًا يُقيد خياراتها السياسية، ويمنعها من التصويت الواعي القائم على البرامج والرؤى.
ورغم أن جلالة الملك يؤمن بدور المرأة ويمنحها أفقًا واسعًا للعمل والمشاركة، إلا أن جبر ترى أن ترجمة هذه الرؤية لا تزال بطيئة ومحدودة، ويجب أن تتسارع ضمن مسارات التحديث السياسي والإداري والاقتصادي التي يقودها جلالته.
وتؤكد جبر أن الإعلام لا يزال يُظهر المرأة في صورة نمطية، ويبرزها غالبًا كضحية أو كاستثناء ناجح، كما تشير إلى أن البرامج التي تتناول قضايا النساء لا تزال محدودة، وغالبًا ما تُسلط الضوء على المرأة في سياق الألم والتحديات، لا في سياق الإنجاز والإبداع.
وتدعو جبر إلى أن يتحول الإعلام إلى منصة ضغط ومناصرة، تُبرز نجاحات النساء في السياسة والاقتصاد والأكاديميا، وتمنحهن الحضور الذي يستحقنه كمؤثرات وصاحبات رأي. كما يجب أن يُسلّط الإعلام الضوء على مكامن التمييز، ويدعو بوضوح إلى تعديل القوانين الجائرة بحق المرأة.
وتضيف أن الإعلام، بوصفه سلطة رابعة، مسؤول عن بناء وعي مجتمعي جديد، يعيد تعريف صورة المرأة كعنصر مؤثر في الحياة العامة ، كما ينبغي أن يعمل على كسر القيود المجتمعية المرتبطة بالنوع الاجتماعي، وتأسيس ثقافة جديدة قائمة على العدالة الجندرية، وتكافؤ الفرص، والتنوع.
وتؤكد جبر عند الحديث عن المطلوب اليوم من المؤسسات التعليمية والإعلامية والسياسية لضمان تمكين حقيقي ومستدام للمرأة أن البداية تكون بالإيمان بالمرأة وبقدرتها على المشاركة والقيادة، لا التعامل معها كملحق أو تابع.
وتشير إلى أن المؤسسات التعليمية مطالبة بإعادة النظر في المناهج، لتنشئة أجيال تؤمن بالمساواة، وترى في المرأة عنصرًا فاعلًا لا مجرد صورة نمطية للأم أو الزوجة.
وتوضح أن الإعلام بدوره عليه أن يمنح المرأة مساحة حقيقية للظهور والتعبير وصناعة الرأي العام، لا أن يختصرها في مواسم الانتخابات أو في المناسبات الاحتفالية.
كما تطالب المؤسسات السياسية، خصوصًا الأحزاب، بالانتقال من اعتماد الكوتا كغطاء إلى تمكين مبني على الكفاءة، فالكوتا، وإن كانت ضرورية في ظل غياب العدالة، إلا أنها ليست بديلًا عن التمثيل العادل.
وتختتم جبر بالإشارة إلى أن التمكين المستدام يبدأ من الاعتراف بالمرأة كشريكة حقيقية في مشروع الدولة والمجتمع، لا كشخص إضافي يُكمل المشهد، وهذا الاعتراف، كما تقول، لا يُمنح، بل يُنتزع عبر عمل جاد وتكامل مؤسسي حقيقي.
