التوازن بين الاستثمار والإيرادات الحكومية

 

تسعى الحكومة للحفاظ على حجم إيراداتها وتغطية نفقاتها عبر ضبط أي شكل من أشكال التهرب الضريبي ومن خلال إجراءات مالية تقوم بها لرفع حجم الإيرادات، لكن دون احتساب التداعيات الاقتصادية لتلك الإجراءات.
هذه الإجراءات- إن كانت فرض رسوم أو ضرائب- يجب على الحكومة قبل اتخاذها، أن توازن بين الحفاظ على الاستثمار وبين إيراداتها، عبر تطبيق نماذج اقتصادية جديدة وممارسات فضلى تساهم في حماية المنظومة الاستثمارية والتي بنهايتها تؤدي الى تعظيم الإيرادات الحكومية.
العديد من الدول العربية تطبق إجراءات تدعم الاستثمار القائم وسط الحفاظ على إيراداتها لكن بنماذج اقتصادية تحد من التداعيات السلبية.
الحُكومة على سبيل المثال، تعمل مع شركات الاتصالات العاملة على مبدأ المشاركة بالعوائد التي تتأتى من خلال هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، صاحبة الولاية في تحديد العوائد من الرخص والتصاريح، والأعلى توريدا للخزينة، لكن الحمل أرهق الشركات بشكل كبير، وحد من قدرتها على ضخ المزيد من الاستثمارات في البنية التحتية، وجعل أرباحها تتراجع من عام الى آخر وذلك بسبب الكلف المالية العالية، جنبا إلى جنب مع المنافسة الشرسة فيما بين الشركات على تخفيض الأسعار وتقديم العروض للمستخدمين، بالمقابل تواصل الشركات الاستثمار في الترددات حيث طلبت تمديد رخص ترددات الجيل الثاني، والجيل الثالث والجيل الرابع لمدة 15 سنة إضافية بحيث تصبح الرخص عمرها 30 سنة بدلا عن 15 سنة، وتقدر كلفة هذا التمديد حسب أسعار الترددات المعتمدة لدى الهيئة بمئات الملايين.
هذا التمديد معناه ان الشركات تريد المزيد من السنوات لاستعادة ما أنفقته ثمناً للرخص، لكن المتطلبات الرقمية السريعة تضع الشركات أمام استثمار جديد ونوعي وهو الجيل الخامس، إلا ان كلفة هذا الاستثمار تصل الى أكثر من مليار نتيجة للسعات الكبيرة كما أعلنت الهيئة في اكثر من مرة، فهل الشركات قادرة على ذلك؟
الأردن بالتأكيد ليس الدولة الوحيدة التي لديها شركات اتصالات، لكن دولا أخرى تعاملت مع هذا الاستثمار وفق نموذج كافة الأطراف، فهناك دول مددت الرخص دون مقابل واصبح عمر الرخصة 20 عاما، في حين ان دولا أخرى مددت عمر الرخص لمدد أطول مقابل مشاركة بالعوائد بنسبة 10 بالمائة، وواحد بالمائة تكاليف الهيئة، ومشاركة بنسب من صافي الدخل.
قد يقول قائل ان بعض هذه الدول نفطية وليست بحاجة الى المشاركة بالعوائد، إلا انني أقول ان هذا النموذج يخدم الدولة ذات الموارد المحدودة قبل الغنية.
اليوم شركات الاتصالات دافع أساسي لبيئة الريادة والشركات الناشئة، فهذه البيئة هي الوحيدة القادرة على تخفيض معدلات البطالة، بجانب مسؤوليتها المجتمعية-أي شركات الاتصالات- باعتبارها من الأكثر إنفاقا.
هيئة تنظيم قطاع الاتصالات تدعم تحفيز الشركات ولكنها حسب القانون تنحصر صلاحيتها بتحديد العوائد وتبقى المعادلة الأفضل هي الموازنة بين العوائد وإيجاد بيئة استثمارية محفزة.

أخبار أخرى