ماجد توبه
هذا الانفراد الصهيوني البربري بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة، وسط مواقف عربية رسمية، إما متخاذلة وإما متواطئة وإما مكتفية بالحد الادنى من التعاطف والتضامن، يؤكد أن كارثة احتلال ومحاولات ابتلاع فلسطين تتوازى بالاهمية مع كارثة الوضع العربي الرسمي المزري وغياب، ليس الوحدة، بل على الأقل الحد الادنى من التنسيق العربي والتماهي مع مواقف الشعوب العربية التي تموت قهرا وهي تتابع المجزرة والابادة المفتوحة في غزة.
ما كان يتحدث عنه المسؤولون الامريكيون باعتباره خططا وسيناريوهات شريرة للوطن العربي عبر ما سمي الشرق الاوسط الجديد، نراه اليوم مطبقا على الارض، شرقا اوسطيا عربيا منقسما وانعزاليا على الحدود القطرية، ودولا منقسمة على ذاتها تصطف على طابور الذبح الامريكي الصهيوني دون حراك او حتى وعي حقيقي بالكارثة التي نعيشها كعرب في اسوأ مراحلنا الحديثة، حيث يباد شعب كامل ويحاصر حتى الموت دون ان ترتقي مواقف العرب لخطورة هذا الحدث.
ليس مطلوبا، اعلان الحرب العربية على اسرائيل فهذا بات حلم ليلة صيف حرمنا حتى من الحلم به كشعوب، بل استخداما فقط للادوات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتجارية الفاعلة من مقاطعة وتلويحا بقطع العلاقات مع داعمي الاحتلال وعلى راسهم امريكا الشر. كم نحلم بان تتخذ مصر، مهوى افئدتنا وحجر الرحى الرئيسي عربيا، اقل الخطوات الحقيقية لمواجهة حرب الابادة والتجويع على حدودها في غزة. حتى هذا الدور المتواضع لكن المؤثر بات صعب المنال وسط حالة التردي العربي الرسمي.
“قيل لفرعون من فرعنك.. قال لم اجد من يردني” هو واقع الحال مع الكيان الصهيوني وسط هذا المحيط العربي، فرغم هشاشة هذا الكيان وافتقاده لابسط مقومات التماسك القومي وجلوسه على برميل متفجرات من الانقسامات الداخلية، فانه يستمد قوته اساسا من تراجع وانكماش الموقف العربي الرسمي الى حدوده الدنيا، التي تكتفي بالادانة والمناشدات والعبارات الانشائية للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وعند القراءة المعمقة للواقع العربي فانه ليس غريبا ان يكون حال الوطن العربي على هذه الحال اليوم، فالمشكلة ليست في استمرار احتلال فلسطين وقضمها المتسارع، بل هي اساسا وبالتوازي تتمثل في استكمال الغرب ضرب حواضر العرب، ودولها المحورية الثلاث، التي شكلت عبر التاريخ القديم والحديث رافعة الموقف العربي وحافظت رغم كل العيوب على مواقف عربية جمعية قوية، ونقصد بها مصر وسوريا والعراق، وهي دول تمتلك كل مقومات القوة والعمق والتراث القادر على قيادة تحركات عربية فاعلة. من التاريخ فمصر هي من انقذت الشرق العربي من كارثة التتار التي اجتاحت هذا الشرق، ومن سوريا والعراق انطلقت جيوش صلاح الدين لتحرير بيت المقدس.
وفي التاريخ الحديث، وبعد ان بقيت مصر بوزنها وقيادتها الناصرية تحمل دفة القيادة العربية، جاء العراق وسوريا لتغطيا الاختلال الاستراتيجي مع اسرائيل بعد ذهاب السادات بمصر الى اتفاقية سلام موهوم مع اسرائيل.
اليوم تراجع واضمحل دور هذه الدول المركزية المحورية وتقدمت عليه في التاثير و”اللعب” دول صغيرة لا تملك من مقومات العمق الاستراتيجي سوى المال والثروة، ربما باستثناء السعودية التي فرض عليها الواقع اليوم بحجمها ووزنها الكبير ان تحتل موقع دولة مركزية عربية يتقدم في تاثيره، سلبا او ايجابا، على موقف مصر.
اليوم نفتقد كعرب العراق وسوريا بوزنيهما وثقلهما الاستراتيجي في الصراع مع اسرائيل وباقي تحديات الأمة، والكارثة ان هاتين الدولتين كانتا ضحية التخاذل او التواطؤ العربي، فالاولى احتلت ودمرت امريكيا وغربيا وفتح فيها صندوق باندورا الطائفي والتقسيمي ليعطلها عن اخذ مكانها الصحيح، اما الثانية فكادت تذهب بقضها وقضيضها فيما سمي الربيع العربي، عندما تكالب عليها الغرب وبعض العرب باشعال حرب اهلية وجلب اكثر من 140 الف من شذاذ الافاق وضخ على تدميرها نحو مئتي مليار دولار وكل اسلحة الارض ودعايات المؤسستين الاعلامية والدينية العربية باعتبارها حربا ليست ضد سوريا الدولة بل دفاعا عن “سنة” سوريا!
طبعا كل هذه الاموال والاسلحة والحشد والتحشيد دفاعا عن “سنة سوريا” ذهب مع الريح عند “سنة فلسطين” ممن يقتلون وتستباح مقدساتهم وارواحهم بالجملة من عدو السنة والشيعة، بل وعدو الانسانية كلها!
لذلك، نقول وفي الليلة الظلماء نفتقد مصر وسوريا والعراق!