كتب. الدكتور / محمود الرجبي
أثار فلم الحارة جدلًا وَاسِعًا بعْد عرضه عَلَى “نتفلكس” وَالسَّبَب أنه يَحْتَوي ألفَاظاً خارجة عَن المألوف الأردني، والعربي، إضافة إلى بَعْض الأحداث الَّتِي وجدها البَعْض صادمة، وَقَدْ دافع القائمون عَلَى الفلم بأنه يمثل الوَاقِع، وَيَأتِي انعكاسًا لَهُ، وَهَكَذَا هُوَ الفن والأدب، يغرف من الـمُجْتَمَع، ويقدمه لِلْنَاسِ – حسب وجهة نظرهم-.
فِي البِدايَة يَجِبُ التأكيد عَلَى أننا نفرح لأيّ إنجاز أدبي أوْ فَنِّي أوْ من أي نوع فِي بَلَدنَا العزيز الأرْدُنّ، وَفِي وطننا الغالي الكبير الوطن العربي، وَنَحْنُ لَسنا ضِدَّهُ أبدًا، لَكِن ليسمح لي القائمون عَلَى الفلم، أوْ من يُدَافِع عَنْهُم لنناقش بَعْض الأمور.
أولًا: نتفق مَع مقولة أن الدراما وَالأدب تعكسان ما يَحْصل خِلال الـمُجْتَمَع، وأحداثه، وهَذَا لا جدال فِيهِ، وَلَكِنَّنَا نختلف فِي طَرِيقَة هَذَا العكس، وأسلوبه، فالحياة لا تتحمل غياب الفلاتر تَمامًا عَنْهَا، بَلْ إن العلم فِي المجال الأدبي والفني يَتَحَدَّث عَن الـمُعالِجَة الَّتِي تتضمن العَدِيد من العَمَليات الَّتِي نسقطها عَلَى الوَاقِع لنخرج فِي النِّهايَة بعمل فَنِّي، أو أدبي، ولا يُمْكِنُ أن آخذ الوَاقِع كَمَا هُوَ، وإلا فإن عَمَلي لَنْ يَكُون أدبيًا، ولا فَنيًا.
مثلًا هَلْ يَجُوز لي أن اذهب إلى مطعم رَاقٍ بملابس ممزقة؟ وَهَلْ يَجُوز أن أدرِّس فِي الـمَدْرَسَة أوْ الجَامِعَة بملابس غير لائقة؟ وَهَلْ يُمْكِنُ التحدث بِكَلِمات بذيئة فِي حضرة قائد، أوْ زعيم، أوْ مَجْمُوعَة من النَّاس المحترمين؟ ألا يعد ذلِكَ قلة ذوق وأخلاق ودونية اجتماعية؟
إذا لنتفق أولًا أن الْحَياة لا مطلق فِيهِا، ولا يُمْكِنُ أن تَكُون هُنَاكَ حرية لأيّ إنسان أن يَفْعَل ما يُرِيد، لأنَّ التعليمات، والقوانين، والذوقيات الاجتماعية تدل عَلَى حضارة ورقي، وَليْسَ العكس، فحتى فِي الدُّوَل الغربية هُنَاكَ تقييدات كَثِيرة عَلَى الحرية، ولا يَجُوز القيام بأفعال كَثِيرة، بَلْ إن من يَعِيْش فِي الغرب مثلًا – ينـزعج من كثرة القيود والتعليمات الَّتِي تُحَددِ لَك حَتْى طَرِيقَة تنفسك-.
ثانيًا: بِخُصوص الكَلام البذئ فِي الفلم، وسأركز عَلَيْهِ فِي هَذِهِ العجالة لأنه أكثر ما أثار الرأي العام، فحتى لَوْ كانَ مُنْتَشِرًا فِي بَعْض مرافق الـمُجْتَمَع، وَفِي بيئات مُعَيَّنَة، وَلكِنَّهُ غير مسموح بِهِ فِي المجالس الرَّاقِيَة، والرسمية، وَالعِلْميِّة، وهُوَ مُنْتَشِر فِي الشَّوارِع، فَهَلْ من اللائق أن أنقله إلى الدراما؟ والسؤال الَّذِي يطرح نَفْسه: ترى لَوْ حررنا هَذَا الفلم من الكَلام البذيء هَلْ سيفقد حبكته، وَجزءًا مهمًا من أحداثه الدرامية؟ أم هَلْ إنه سيفقد قدرته عَلَى الحُصُوْل عَلَى جَوائز مُعَيَّنَة؟
يسعدنا أن نرى أفلامًا أردنية فِي دور السينما، ومسلسلات محلية فِي قنوات ومنصات عَالَمِيَّة، لَكِنَّنَا نفرح أكثر عِنْدَمَا نرى أعمالاً تخاطب الروح والعقل والوجدان، ولا تحتوي إلا عَلَى ما هُوَ رَاقٍ وَجَمِيل.