صدى الشعب – على مدار 14 شهرًا من حرب الإبادة على غزة، استخدم الاحتلال خلالها شتى أنواع الأسلحة، ما أسفر عن ارتقاء عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير 80% من منازل وأحياء القطاع، إلا أن المقاومة لا تزال متمسكة بحقها في الدفاع والتصدي لجرائم الجيش الإسرائيلي في جميع محاور القتال.
آخر هذه العمليات البطولية التي نفذتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”، كانت كمين جباليا، الذي كشفت الكتائب عن جزء من فصوله، حيث هاجمت جنود جيش الاحتلال الذي أعدم مئات المدنيين ودمر منازل الفلسطينيين خلال 72 يومًا من توغله في شمال قطاع غزة.
حيث بثت كتائب القسام مشاهد جديدة لكمين محكم استهدفت من خلاله شاحنة تقل عددًا من جنود الاحتلال غرب مخيم جباليا في التاسع من الشهر الجاري.
وقالت كتائب القسام في مقطع فيديو: “بفضل الله وتوفيقه، وبعد مرور 67 يومًا من الحصار والدمار على شمال غزة، نفذ مجاهدو القسام عملية مركبة، حيث نصبوا كمينًا محكمًا ضد سرية مشاة وآليات العدو قرب مفترق الاتصالات غرب مخيم جباليا”.
خروج المقاتلين من تحت الأنقاض!
رغم تدمير الاحتلال لمعظم المنازل والأحياء السكنية في مخيم جباليا، الذي يخضع لمراقبة طائرات الاحتلال المسيرة وحشود عسكرية ضخمة، إلا أن المقاتلين يخرجون من تحت ركام المخيم وأزقته لتنفيذ “كمائن الموت” لجنود جيش الاحتلال.
أظهرت المشاهد الكمين الذي أعده القسام لجنود الاحتلال، ما يعكس قدرة المقاتلين على التخطيط والتنفيذ بدقة واحترافية، في رسالة تحدٍّ واضحة بأن المخيم لن يسقط وسيبقى عصيًا على الانكسار.
منذ توغل الاحتلال في قطاع غزة، دأبت كتائب القسام، برفقة فصائل المقاومة الفلسطينية، على نصب كمائن محكمة وناجحة ضد الجيش الإسرائيلي، ما كبد الاحتلال خسائر بشرية كبيرة فضلًا عن تدمير مئات الآليات العسكرية وإعطابها.
وقد أعلن الاحتلال أنه اضطر إلى تشغيل مئات المستوطنين في الأعمال الهندسية في المناطق التي يعمل فيها حاليًا في قطاع غزة، بسبب نقص الجنود والتآكل الميكانيكي لعشرات الجرافات، وتأخر وصول شحنات جديدة منها.
الاحتلال يتحول إلى هدف ثابت للمقاومة!
الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي يرى أن كمين جباليا الأخير الذي نفذته كتائب القسام يعد فشلًا استخباريًا وعسكريًا لجيش الاحتلال.
وقال الركن الفلاحي في فقرة التحليل العسكري على قناة الجزيرة: “الكمين جاء في أكثر منطقة تخضع للحماية من الطائرات المسيرة والحربية وآلاف الجنود والعتاد العسكري على الأرض.. فقدرة وصول المقاتلين إلى هذه المنطقة يعد إنجازًا عسكريًا يحسب للقسام”.
ووصف كمين القسام في مخيم جباليا بأنه عملية نوعية استخدمت فيها أسلحة متطورة، مشيرًا إلى أن تعقب جنود الاحتلال إلى مناطق دقيقة وحساسة يعني جمع معلومات استخباراتية دقيقة، ما ساعد في وضع خطة الكمين بنجاح.
وأشار الفلاحي إلى أن الإمكانيات والقدرات التي تمتلكها فصائل المقاومة في حرب العصابات تختلف عن الجيوش النظامية من حيث الحركة والتسلل، بالإضافة إلى المتابعة والرصد المستمرين.
كمين استراتيجي!
الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية اللواء الركن المتقاعد واصف عريقات وصف الكمين الذي أعده القسام في مخيم جباليا شمال القطاع بأنه “عمل أسطوري واستراتيجي”، لأنه تطلب دقة في التصويب واستخدام السلاح المناسب لإيقاع جنود الاحتلال في “مقتلة الكمين”.
وقال عريقات في حديث لـ”الرسالة”: “إن كمين جباليا اعتمد بشكل أساسي على العمل الاستخباري ورصد تحركات جنود الاحتلال، حتى وصلوا إلى نقطة الكمين، ما يعكس فشل الاحتلال في رصد المقاومين الذين خرجوا من تحت الركام، وكانوا لا يبعدون سوى أمتار قليلة عن المنطقة العسكرية التي أقامها الاحتلال، وهي الأشد مراقبة وتحصينًا”.
وأضاف: “اعتقد جيش الاحتلال أن مخيم جباليا أصبح مستباحًا لجنوده، إلا أن مقاتلي القسام نصبوا له كمينًا محكمًا”.
وأكد أن القسام نجح في استغلال ظروف الميدان وتوظيفها لصالح مقاتليه، مشددًا على أن هذا الكمين يعد عملًا استثنائيًا واستراتيجيًا، كونه وقع في منطقة استهدفها جيش الاحتلال بمئات الأطنان من المتفجرات.
الكمين يعكس قدرة القسام على المناورة!
وأشار الخبير العسكري إلى أن كمين جباليا يعكس قدرة المقاومة وكتائب القسام على الإبداع في نصب الكمائن وتوظيف الأسلحة المناسبة واستخدامها بفعالية، إلى جانب الرصد والمتابعة الدقيقة لتحركات جنود الاحتلال.
وتابع قائلًا: “من الواضح أن القسام بدأ استنزاف قوات الاحتلال من خلال انتقاء الأهداف بعناية، خاصة الجنود ذوي الرتب العالية والمتخصصين في الجيش الإسرائيلي”.
وأكد أن الجيش الإسرائيلي يعاني نقصًا حادًا في الجرافات والجرارات بسبب تعرضها للتلف أثناء المعارك، ما اضطره إلى استئجار أو تجنيد مركبات من المدنيين لتعويض الخسائر.
المقاومة تقاوم في الميدان!
من جانبه، يرى المحلل السياسي ساري عرابي أن كمين القسام في جباليا كشف الفشل الاستخباري والعسكري لجيش الاحتلال، رغم سيطرته العسكرية على أجزاء واسعة من شمال القطاع.
وأكد أن الاحتلال اعتقد أن التدمير والتهجير سيؤديان إلى إضعاف المقاومة، لكن المقاومة لا تزال صامدة وتواصل إفشال مخططات الاحتلال على مختلف الجبهات