لا شيء يدعو الصحفيين إلى الإحساس بالخيبة والأسى أكثر من غياب “نقابتهم عن المشهد، فعلى امتداد الأشهر المنصرفة لم نسمع صوت “النقابة” ، فيما تعيش الصحافة والعاملون فيها أسوأ أيامهم: لا رواتب ولا تأمين صحي ولا مناخات صحية تسمح لهم أن يتحركوا ويقولوا كلمتهم ، لقد تحولوا – للأسف – إلى “أيتام ” على موائد تقاسمها العابرون للمهنة ، أو إلى “أشرار” في عيون بعض الذين ينتظرون بفارغ الصبر انقراض الصحف وتشييعها إلى مثواها الأخير.
لماذا غابت نقابة الصحفيين، ولماذا استقالت عن القيامة بواجبها الأخلاقي والمهني، هل كنا “واهمين” حين راهنا قبل نحو ثلاث سنوات على قدوم مجلس اخترناه ودافعنا عنها بحماس وانتظرنا أن يفعل ما عجزت عنه المجالس السابقة، هل أخطأنا -اقصد الصحفيين- حين رضينا بسقوف حريات اقل دفاعا عن “لقمة العيش” هذه التي انقطعت ولم يدفع انحباسها إخواننا في مجلس النقابة للوقوف مع الصحفيين لانتزاعها ، حفاظا على كرامة الصحفي وحقه في الحياة والاستمرار في ممارسة واجبه الصحفي.
الإجابات الصحيحة يعرفها كل صحفي، سواء من إخواننا في المجلس الحالي، أو في الجسد الصحفي المتعب من الخيبات، وهي -بالطبع- إجابات مخجلة، لكن الأهم من ذلك هو هذه “اللامبالاة” الرسمية تجاه الصحافة، فكيف يمكن لدولة -أية دولة- أن تتفرج على إعلامها وهو يحتضر دون أن تبادر إلى إسعافه ليبقى على قيد الحياة، كيف يمكن لحكومة تستعد للاحتفاء بمرور مائة عام على تأسيس الدواة أن تشطب بجرة قلم تاريخا سجلته الصحافة بحبرها وعرق الأجيال الذين تعاقبوا عليها، ثم تراهن على وسائط التواصل الاجتماعي لتدوين ذاكرة الدولة والحفاظ عليها، أو الدفاع عنها ضد العاديات، في وقت تسعى فيه دول العالم كلها إلى دعم إعلامها الوطني وتمتين جبهته باعتباره سلاحها القوي وحارسها الأمين..؟
حين غفلت النقابة عن دورها وتحولت إلى مجرد مكاتب مهجورة، وانشغل بعض أعضاء مجلسها بصراعاتهم وحساباتهم، واكتفت بدور “المتفرج” على مأساة الصحفيين والصحف والعاملين فيها، حين حدث ذلك أكثر، مدت الحكومات “أرجلها” فلا احد يسمع أو يريد أن يسمع أنين الصحفيين ما دام أن نقاباتهم غير موجودة، ولا احد يريد أن يفعل لهم إي شيء ما دام أن أقصى ما يمكن لنقابتهم أن تفعله هو إصدار بيان مطالبة لرفع العتب وإراحة الضمير.
لملء هذا الفراغ الكبير والمؤسف، لا بد أن يتحرك الصحفيون، أو من تبقى منهم لإيصال صوتهم إلى المسئولين، وللدفاع عن حقوقهم، وللانتصار “للمهنة” التي أصبحت مهددة بالانقراض، لا اعرف كيف يمكن أن يتحركوا، لكنهم -بالتأكيد- لن يعدموا “الطريق” والوسيلة لفعل ذلك، فقد انتهى الرهان على النقابة، كما انتهى الرهان على “فزعة” المسئولين الذين وزعوا الوعود ولم يتحقق منها اي شيء، سيتحركون لأنهم لن يخسروا أكثر مما خسروا، وهل ثمة خسارة اكبر من وضع الصحافة في ثلاجة الموتى ..انتظارا لإشهار موعد الدفن ..وتقبل العزاء..؟!