خلال استضافته في برنامج “نبض البلد” على فضائية “رؤيا”، لم يتردد وزير التربية والتعليم د. تيسير النعيمي في تأكيد رضاه عن عملية التعليم عن بعد التي تديرها وزارته منذ آذار (مارس) الماضي. هذا الرضا، لا شك، يتجاوز قناعات الخبراء والمراقبين، ويعصف بملاحظاتهم العديدة، كما يتجاوز عن آلام الأهالي الذي يراقبون انحدار مستويات أبنائهم في التحصيل الأكاديمي والنماء الاجتماعي والعاطفي.
منذ أن تحولنا إلى التعليم عن بعد، أورد الخبراء والمتابعون والأهالي، عشرات الملاحظات الأساسية التي تصب في عدم تحقيق عدالة وشمولية العملية، سواء ما كان يتصل منها بطبيعة الدروس والتعليم، ومدى مناسبة المنصة الحكومية لمنح هذا التعليم، أو تلك التي تتصل بمدى قدرة العائلات على توفير الحدود الدنيا من الوسائل التكنولوجية لأبنائهم، وهي مشكلة دولة بكاملها تتبلور في فشل برامج التنمية في المجتمعات الهشة، والعجز عن توزيع مكتسباتها بعدالة.
إضافة إلى ذلك، أشارت مراكز ومنظمات مجتمع مدني مسوحات، على بساطتها ومحدوديتها، إلى اختلالات عميقة في هذه العملية التي من المنصف أن نقول إنها تجذر العديد من التحديات في المنظومة التعليمية، خصوصا ما يتعلق منها باحتمالات اتساع ظاهرة التسرب، أو، على أقل تعديل، اتساع الفاقد التعليمي، خصوصا لدى طلبة الصفوف الأولى الذين ما يزال العديد منهم أميون بفضل التعليم عن بعد.
يحق للسيد الوزير أن يكون راضيا ومقتنعا بعملية تديرها وزارته، وذلك من باب “من يشهد للعروس”، ولكن، ألا يحق للأهالي المتورطين بهذه العملية من ألفها إلى يائها أن يحظوا بقليل من انتباه الوزير؟!
عملية التعليم اليوم تتم بصيغة تشاركية غير عادلة، إذ يتحمل الأهالي النسبة الكبرى من المسؤولية عن انتظام أبنائهم بالدروس، وعن عملية تدريسهم، وأيضا مسؤولية استكمال “الدروس المبتورة” على منصة “درسك” لهم، لذلك فمن الواجب أن تستمع الوزارة إلى ملاحظاتهم واقتراحاتهم، وأن تحاول معالجة بعض الثغرات التي يتحدثون عنها.
ربما لن يرضى الأهالي عن التعليم عن بعد أبدا، ولن يعترفوا ببديل عن انتظام دراسة أبنائهم داخل الصفوف، وذلك بسبب الكم الكبير من الملاحظات التي تشكلت لديهم خلال فصلين دراسيين رأوا فيهما الفاقد التعلّمي الكبير لدى أبنائهم، وأيضا تأخر نمائهم الذي كان مجتمع المدرسة يحققه لهم سابقا.
في الجانب الآخر، ما تزال الوزارة تتذرع بالحالة الوبائية لكي تقفل باب النقاش على عودة الصفوف الدراسية، غير أن نقاشا كهذا يتوجب أن ينطلق بالسرعة الممكنة، وينبغي له أن يكون محوريا وعاجلا، وأن يثار على مستوى وطني واسع، إن أردنا أن نتوقف عن “المقامرة” بمستقبل بلد بأكمله، وأن نرفع رؤوسنا من الرمال، وأيضا، إن أردنا أن نكف عن أن نزجي المديح لعملية تعليم قاصرة بشهادة الجميع .. ما عدا الوزارة.
الحمل الثقيل الذي تم رميه على كاهل الأهل، خصوصا الأمهات، يستوجب على الوزارة أن تمنحهم بعض الاحترام والاهتمام، وأن تصغي لملاحظاتهم وتحفظاتهم الكثيرة حول العملية، وما إذا كانت هناك سبل لتطويرها إن تحتم علينا أن نعيش في هذا “العذاب” فترة أطول.
لكن، الثابت أنه حتى اليوم، لم تبادر الوزارة، فعليا، إلى فحص هذه الملاحظات، على الأقل، كبادرة حسن نية تجاه العملية التعليمية التي تتحمل مسؤولية إدارتها بشكل مباشر، وأيضا تتحمل مسؤولية تحسين مدخلاتها، وفحص مخرجاتها الحقيقية.
مسؤولية الوزارة، أيضا، أساسية تجاه الأهالي الذين لم يعد بمقدورهم أن يتحملوا تحديات هذه العملية أكثر مما تحملوا. لكن أن تلجأ الوزارة إلى إدارة العملية، فقط، من أجل رمي المسؤولية عن كاهلها، والقول إن الجائحة لم تستطع إيقاف التعليم لدينا، فهذا أمر غير صحي، وربما سنواجه تداعياته خلال أقل من عقد من الزمن، خصوصا حين يبدأ بالتكشف المستوى التعليمي الحقيقي لمئات آلاف الطلبة الذين سينجحون بـ”تميّز” بفضل الأمهات الساهرات اللواتي تقدمن للامتحانات نيابة عن أبنائهن!!