أكبر تحد أمام مجلس النواب الجديد هو في كيفية انخراطه بالشأن الاقتصادي بعيداً عن المزاودات والشعارات الشعبية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هناك 100 نائب جديد جلهم من فئة الشباب الجدد الذين دخلوا معترك الحياة البرلمانية، وبعيداً عن أي تصورات لتوجهاتهم فإن الوضع الاقتصادي الراهن وتحدياته الجسيمة غير المسبوقة تقتضي من النواب لعب دور مسؤول في الشأن الاقتصادي.
أول الملفات التي ستطرح على النواب وستكون بمثابة اختبار لقدراتهم العقلية والعلمية والواقعية هو مشروع قانون موازنة 2021، والذي تعكف الحكومة على انجاز مسودته خلال الأيام القليلة المقبلة في ظل ضبابية المشهد العام وصعوبة وضع فرضيات تقترب من الحقيقة مع التطورات السلبية لجائحة كورونا التي ما يزال البحث عن دوائها جارياً.
مشروع قانون موازنة 2021 يختلف كُليا عن أي قانون مالي للدولة مقارنة بالسنوات الماضية، وهنا يكمن أساس فهم النواب خاصة الجدد منهم لطبيعة وجسامة التحديات التي تحيط بالاقتصاد الوطني المثقل بالاعباء المزمنة التي لا يمكن ان تحل إلا بالعمل الدؤوب.
مطلوب من النواب وعلى الاخص الجدد منهم العقلانية بالطرح الاقتصادي، والابتعاد عن شعبوية غير واقعية ومستحيل تطبيقها، فالاقتصاد الوطني مرتبط باتفاقية تصحيح هيكلي مع صندوق النقد الدولي، وهذه اتفاقية الاردن التي سعى إليها وليس الصندوق الذي يعطي شهادات حسن سلوك للمانحين والدائنين، فلا قدرة للاقتصاد الوطني على تحقيق اي نوع من الاستقرار في المرحلة القادمة دون الرجوع للدول الكبرى او دعم المانحين والمؤسسات الدولية، لأن التحدي الذي يعترض الاقتصاد هو القدرة السريعة على توفير سيولة مالية خارجية تحديداً لتمويل نفقات الحكومة المتزايدة والوفاء بتعهداتها المالية والخارجية معاً، وهذا لا يكون أبداً دون دعم الصندوق الذي أنجز قبل اسبوعين بإيجابية كبيرة، والمراجعة الأولى لبرنامجه التصحيحي مع المملكة.
عمليات إعادة هيكلة القطاع العام والذي كان تضخمه أساسا مرتبطا بسلوكيات سلبية ضاغطة من مجالس نواب سابقة متعددة كانت تمارس أبشع أشكال التعيينات على الحكومات المختلفة التي للأسف رضخت لضغوطاتهم لأسباب متنوعة غالبيتها يأتي من باب كسب تأييدهم من أجل الثقة لا أكثر، وهو الأمر الذي تسبب في تضخم الجهاز الإداري للدولة، مما انعكس على ادائه وانتاجيته وكفاءته.
ملف إعادة هيكلة القطاع العام فيه من الدروس والعبر التي تجعل من مجلس النواب الحالي أكثر حرصاً من أي مؤسسة اخرى على السير ببرنامج إصلاحي لما اقترفته المجالس السابقة بالمشاركة مع الحكومات، وهذا يتطلب شجاعة من النواب في وضع التصورات الإصلاحية المطلوبة في هذا الملف.
أكثر شيء غاب عن مجالس النواب السابقين هو اعتمادهم على البرامج الخارجية في استقرار الاقتصاد خاصة تلك التي كانت مع المؤسسات الدولية مثل الصندوق والبنك الدوليين، فالأساس ان تكون هناك خطة اقتصادية وطنية عابرة للحكومات والمجالس النيابية، تحدد بشكل واضح اهداف الاصلاح برؤية محلية بحتة تكون منسجمة مع الواقع، وملزمة التنفيذ ضمن إطار زمني محدد، لكن للأسف لم يتمكن اي مجلس نواب بالتعاون مع أي حكومة من إيجاد هذا المشروع الاصلاح الذاتي.
المرحلة الراهنة حساسة للغاية، ولا يمكن ان تكون هناك إدارة اقتصادية رسمية حصيفة دون مشاركة مسؤولة من مجلس النواب الجديد، والخروج بآليات عمل رشيدة تقترب أكثر وأكثر من القطاع الخاص الذي للأسف يعاني في الكثير من الفترات من عزلة خانقة وعدم مشاركة حقيقية من الحكومات، وعدم تفهم رسمي لاحتياجاته ووسائل دعمه وتحفيزه، وهذا ما سيجعل على النواب عبئاً إضافيا في تجسير الفجوة بين القطاع الخاص والحكومة، من خلال المشاركة المسبقة والفاعلية في التشريع، ليكون أكثر ملامسة لاحتياجات التنمية المستدامة.