التربية لـ “صدى الشعب”: برامج عديدة تُقدَم للمعلمين للتعامل الصحيح مع الطلبة
تايه: العقاب الجسدي يزرع الخوف ولا يبني الفهم
صدى الشعب – حلا باسل الحبيس
تشكل البيئة المدرسية الركيزة الأساسية في بناء شخصية الطلبة وصقل مهاراتهم الحياتية والقيادية، حيث يقوم نجاحها على أسلوب منهجي واضح يعزز علاقة إيجابية بين المعلم وطلابه داخل بيئة تعليمية صحية ومنتجة.
وقد تشهد هذه العلاقة، وفي حالات نادرة، اختلالًا يؤدي أحيانًا إلى احتكاك أو تهجم من قبل المعلم على الطالب أو العكس، ما يثير تساؤلات حول السبل الكفيلة بضمان توازن تربوي يحافظ على هيبة المعلم وكرامة الطالب في آن واحد.
وكان وزير التربية والتعليم، عزمي محافظة، عمم على جميع مديريات التربية والتعليم، كتابا يقضي بمنع استخدام العقاب البدني بجميع أشكاله داخل المؤسسات التعليمية.
ووفقا للكتاب فإن هذا التعميم يأتي انطلاقاً من حرص الوزارة على الالتزام بالتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، وتوفير بيئة مدرسية آمنة للطلبة.
وأكد التعميم منع إيقاع العقاب البدني بأشكاله المختلفة أو إلحاق أي أذى بالطلبة، ومنع حمل العصا أو ما شابهها كأدوات للعقاب البدني داخل المدارس، وذلك تحت طائلة المسؤولية التأديبية.
تعديلات على تعليمات السلوك الطلابي لضمان بيئة مدرسية آمنة
وبهذا الإطار أكد الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم، محمود حياصات، التزام المدارس الحكومية الكامل بالتعميم الصادر عن الوزارة، والذي يشدد على منع استخدام العقاب ضد الطلبة، سواء كان ذلك بالضرب الجسدي أو اللفظي.
وقال حياصات، خلال حديثه لـ(صدى الشعب)، إن الوزارة عمّمت كتابًا رسميًا على كافة مديريات التربية والتعليم في مختلف محافظات المملكة، يتضمن تعليمات واضحة وملزمة تُحظر بشكل صريح استخدام أي شكل من أشكال العقاب، ولا سيما العقاب البدني.
وبيّن أن التعميم يتم تداوله على جميع المدارس، ويُطلب من جميع المعلمين التوقيع عليه، تأكيدًا على التزامهم بتطبيق التعليمات الجديدة التي تهدف إلى منع العنف المدرسي بجميع أشكاله.
وأشار إلى أن الوزارة أجرت تعديلات على عدد من التعليمات الناظمة بهدف تهيئة بيئة مدرسية آمنة وصحية، من أبرزها إلغاء أي بند ضمن تعليمات السلوك الطلابي يُجيز العقوبة الجسدية أو يسمح بالإهانة، بالإضافة إلى إدماج مواد خاصة بالدعم النفسي والاجتماعي ضمن دليل الإرشاد التربوي، بما يسهم في تقديم الدعم الشامل للطلبة.
وأضاف أن الوزارة عملت كذلك على تعزيز أدوار المرشدين التربويين والمعلمين، من خلال اعتماد أساليب الحوار والأنشطة التفاعلية في معالجة السلوكيات السلبية لدى الطلبة، إلى جانب إلزام المدارس بتنفيذ برامج توعوية تُعنى بحقوق الطفل وتهيئة بيئة مدرسية خالية من العنف.
وأوضح أن مهام التعامل مع أي حالات يتم فيها استخدام العصا أو تعنيف الطلبة من قبل المعلمين، تُناط بمديريات التربية والتعليم المختصة، والتي تتعامل مع هذه القضايا بجدية تامة.
وأكد أن الإجراءات المتبعة تبدأ بإجراء تحقيق إداري فوري، استنادًا إلى نظام الموارد البشرية، وتُتخذ الإجراءات القانونية اللازمة في حال ثبوت وقوع الضرب، مشددًا على أن الوزارة تعتبر أي عنف بدني أو لفظي مخالفة صريحة وواضحة للتعليمات.
ونوّه إلى وجود بدائل تربوية فعالة لمعالجة السلوكيات السلبية لدى الطلبة دون اللجوء إلى العقاب الجسدي، مشيرًا إلى أن تعليمات الانضباط المدرسي لعام 2024 تنص على اعتماد وسائل تهدف إلى تعديل السلوك بطرق إيجابية.
وأوضح أن هذه البدائل تشمل تعزيز السلوك الإيجابي من خلال مكافأة الطلبة على التصرفات الحسنة بدلاً من التركيز فقط على العقاب، إلى جانب استخدام العقوبات التربوية مثل كتابة تعهدات، أو تكليف الطلبة بأداء خدمات مدرسية بسيطة ذات قيمة تربوية، فضلاً عن جلسات إرشاد فردية وجماعية لمعالجة الأسباب الكامنة خلف السلوكيات غير المرغوب فيها.
كما شدد على أهمية إشراك الأسرة في إعداد خطط لتعديل السلوك، بالإضافة إلى توظيف الأنشطة اللامنهجية، مثل استثمار المواهب والأنشطة الرياضية والفنية، لتفريغ الطاقات السلبية لدى الطلبة في بيئة إيجابية وآمنة.
اعداد وتاهيل المعلمين ضرورة لفهم احتياجات الطلبة
من جهته أكد الخبير التربوي الدكتور فيصل تايه أن التعليم الحديث تجاوز دوره التقليدي القائم على نقل المعرفة، ليأخذ أبعادًا أوسع تشمل بناء بيئة تعليمية محفزة، وتنمية المهارات الأكاديمية والاجتماعية لدى الطلبة، إلى جانب تعزيز سلوكياتهم الإيجابية، ما يستدعي التركيز على إعداد المعلمين وتأهيلهم من خلال برامج تدريبية متخصصة تزوّدهم بالأدوات العملية اللازمة لفهم احتياجات الطلبة والتعامل معها بفعالية وذكاء تربوي.
وأشار تايه، خلال حديثه لـ”صدى الشعب”، إلى أن هذه البرامج لا تقتصر على الجوانب الأكاديمية، بل تمتد لتشمل إدارة الصف والسلوكيات الطلابية، وتنمية الذكاء العاطفي، إضافة إلى استخدام أساليب التعلم النشط، التي تسهم في تشجيع الطلبة على التفاعل والمبادرة وتنمية مهارات التفكير النقدي.
وبيّن أن التجارب الميدانية أثبتت أن لهذه البرامج أثرًا إيجابيًا ملموسًا ينعكس على كل من الطلبة والمعلمين، حيث يظهر الطلبة، الذين يدرّسهم معلمون مدربون على أساليب التعلم النشط، مستويات أعلى من الحماس والمشاركة، في وقت تتراجع فيه السلوكيات العدائية أو السلبية داخل الغرفة الصفية، إلى جانب تحسن ملحوظ في التحصيل العلمي بفضل تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي.
وأضاف أن المعلمين أنفسهم يشعرون بمستويات أعلى من الرضا المهني والثقة في قدراتهم على إدارة الصف والتواصل مع الطلبة، لافتًا إلى انخفاض معدلات التوتر لديهم في التعامل مع السلوكيات الصعبة، خصوصًا بعد التحول من الأساليب التقليدية القائمة على العقاب والروتين إلى ممارسات تربوية أكثر فاعلية، ما يعزز التفاعل بين المعلم وطلبته ويرفع من دافعيتهم نحو التعلم.
ونوّه إلى أهمية تحسين السلوكيات الطلابية بعيدًا عن أساليب العقاب البدني، موضحًا أن الدراسات التربوية أثبتت محدودية فاعلية العقاب الجسدي، إذ يؤدي غالبًا إلى زرع الخوف لدى الطلبة بدلاً من تعزيز الفهم، مشددًا على أن البدائل التربوية الأكثر نجاحًا هي التي تركز على تنمية المسؤولية الذاتية لدى الطلبة، وتمكينهم من التعلم من أخطائهم بطريقة بنّاءة.
وأشار إلى مجموعة من الأساليب الفعالة، من بينها التعزيز الإيجابي باستخدام عبارات التشجيع أو المكافآت المعنوية، والعقاب الطبيعي أو المنطقي الذي يربط الخطأ بتصحيح السلوك، والحوار الفردي الذي يساعد الطالب على إدراك تبعات أفعاله، إلى جانب الأنشطة الجماعية التي تهدف إلى غرس القيم مثل العمل التطوعي والمشاريع التشاركية داخل المدرسة، والتي تسهم في ترسيخ مفاهيم التعاون وتحمل المسؤولية.
ورأى أن اعتماد هذه الأساليب لا يضعف من انضباط الصف، بل يسهم في خلق بيئة تعليمية آمنة ومحفّزة، يتحول فيها الطالب إلى شريك فعّال في عملية التعلم، ويصبح المعلم قائدًا قادرًا على إحداث أثر إيجابي مستدام، موضحًا أن الغرفة الصفية، في ظل هذه الممارسات، تصبح فضاءً حيًا للتفاعل والنمو الشخصي والاجتماعي، وتحقيق الإنجاز الأكاديمي.
وأكد أن الاستثمار في تطوير مهارات المعلمين لا يُعد ترفًا، بل هو ضرورة تربوية ملحّة تسهم في بناء جيل واعٍ ومتعلم ومسؤول، قادر على مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة وثقة.
وأشار إلى أن وزارة التربية والتعليم تعمل على تنفيذ مجموعة من البرامج والدورات التدريبية الموجهة للمعلمين، بهدف تمكينهم من التعامل الفعّال مع الطلبة، ومن أبرز هذه البرامج دورات في الإرشاد التربوي تُعنى بفهم الاحتياجات النفسية والاجتماعية للطلبة، وبرامج لإدارة الصف الإيجابية، إضافة إلى التدريب على مهارات الاتصال الفعّال، وحل النزاعات، والإسعافات النفسية الأولية للتعامل مع الأزمات، إلى جانب ورش عمل متخصصة تُنظم بالتعاون مع منظمات دولية، مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، تُعنى بحقوق الطفل والوقاية من العنف.






