صدى الشعب – كتبت د. تهاني رفعت بشارات
في صباحٍ لم يكن كأي صباح، ارتقى الملازم طارق لؤي بدوان إلى العلا وهو يؤدي واجبه المقدس، تاركًا خلفه أحلامًا لم تكتمل وحنينًا لا يُشفى. لقد ترك وراءه ابنه الصغير الذي لم يشبع من حنانه بعد، وابنته التي تشتاق إلى دفء حضنه، وأهلاً كانوا يعلقون عليه الآمال والأحلام، فكان لهم بمثابة النور الذي يضيء دروب المستقبل. ومع رحيله، لم يكن طارق مجرد اسمٍ يُضاف إلى قائمة الشهداء، بل تحول إلى روحٍ حيةٍ تعيش في قلوب أحبائه، تنبض بالحب والوفاء في كل لحظة. شهداؤنا ليسوا أرقامًا تُسجل في سجلات التاريخ؛ بل هم أحياء عند ربهم يرزقون، لهم أهلٌ يعانون الفراق ويفخرون بتضحياتهم، يحملون ذكراهم كوسامٍ على صدورهم، يروي لهم قصص البطولة والإيمان كلما نظروا إلى السماء.
في كتاب “شهيد الفجر” للدكتور نمر بدوان، تتجلى قصص الأبطال الذين رحلوا عن عالمنا، لكن أرواحهم ما زالت تسكن قلوبنا، تُلهمنا وتمنحنا القوة لمواصلة الطريق. ومن بين هؤلاء الأبطال، يبرز اسم الشهيد طارق لؤي بدوان، الذي ارتقى إلى العلا وهو يؤدي واجبه المقدس في الدفاع عن وطنه وشعبه، مجسدًا معنى الشجاعة والتضحية.
طارق، الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين من عمره، كان حلمه بسيطًا، لكنه عميق: أن يرى وطنه حرًا ومستقلًا. كان يؤمن بأن الأرض تستحق أن نحيا من أجلها، وأن نموت في سبيلها إذا اقتضى الأمر. في تلك اللحظات الأخيرة من حياته، لم يكن طارق يحمل سوى سلاحه وإيمانه العميق بأن الحرية ليست مجرد كلمة، بل هي دماءٌ تُسقى بها الأرض لتزهر حريةً وعدالة.
الدكتور نمر بدوان، في كتابه “شهيد الفجر”، يصف طارق بأنه كان كشعاع الفجر الذي يبزغ ليمحو ظلام الليل، ليبث في النفوس الأمل من جديد. لم يكن طارق مجرد مقاتل؛ بل كان حُلمًا يمشي على الأرض، يحمل في قلبه كل آمال شعبه وأحلامه، وكما قال الدكتور نمر: “كان طارق كالزهرة التي تنمو بين أشواك القهر، ليفوح عطرها في كل مكان، حتى في لحظات الوداع.”
لكن، في عمق الفراق، تبقى أسئلةٌ حائرة تتردد في أذهان الصغار الذين تركهم الشهيد طارق خلفه: من سيجيب على أسئلة ابنه وابنته حين يسألان: “أين بابا؟” وما ذنبهم ليُحرموا من حنان الأب ودعمه؟ كيف سيصبر قلب زوجته الصابرة على هذا الجرح العميق؟ وكيف سيتحمل قلب أخيه، الذي فقد أخًا كان له الأخ والصديق والسند؟ وكيف ستتحمل أمّه وأبوه، اللذان لا يملكان سوى الصبر والإيمان بأن فلذة كبدهما قد صار من الأحياء عند الله، يرزق بما لا نعلم من نعيم الجنان؟
ورغم أن الاحتلال يحاول بكل وسائله القمعية أن يمحو أثر هؤلاء الأبطال، إلا أن طارق وغيره من الشهداء يظلون أحياءً في ذاكرة الوطن، لا تمحوهم الأيام. فهم لم يغادروا فعلاً؛ بل استقروا في قلوبنا، أحياء يرزقون بأحلامهم، بذكراهم، وبكل ما تركوه لنا من حبٍ وإيمانٍ بأن الحرية تستحق كل تضحية.
رحم الله الشهيد طارق لؤي بدوان، وأسكنه فسيح جناته، وجعل من ذكراه نورًا يهدي كل من يسعى إلى الحرية والكرامة.