كتبت : إيمان أبو قاعود
تدرك وداد عبيدات، رئيسة جمعية الرفيد الزراعية، أهمية توفير العمل للشابات للانخراط في الشأن العام والخدمة المجتمعية، وهذا ما تسعى إليه منذ أن بدأت رحلتها في هذا المجال قبل ما يزيد عن 40 عاماً، ولعل هذه الفكرة متأصلة لديها فنقلتها كليّة للعاملات معها من الشابات اللواتي يخاطبنها بلقب “عمتي”.
انخرطت عبيدات في العمل العام منذ نعومة أظفارها، والفضل في ذلك يعود لوالدها الذي لم يتوان عن خدمة مجتمعه، فهو “شيخ” في منطقته، ورئيس بلدية ويلقب بـ”الباشا” بين السكان، لما كان يقدمه من خدمات للأهالي، ومساعدة للمحتاجين، وحل المشكلات التي تواجههم بشكل عام، فكان من الطبيعي أن تنتسب فوراً للجمعية الموجودة في القرية وهي جمعية الرفيد كمتطوعة عند بلوغها سن الثامنة عشرة، لتصبح بعد 42 عاماً رئيسة لأهم جمعية في منطقتها والتي أطلقت عليها اسم جمعية الرفيد الزراعية.
من هنا كانت البداية
تبدأ عبيدات حديثها لشبكة نساء النهضة قائلة “بدأت بتقديم الخدمات المختلفة لمن يطلبها، وكنت أدرك تماماً أهمية العمل العام في تنمية المجتمعات، فعند التحاقي بالكلية لم أتأخر عن مشاركة الزميلات والزملاء في الأعمال التطوعية، وفي الوقت ذاته كنت متفوقة في دراستي فحصلت على المرتبة الأولى في محافظة إربد ما سهل الطريق أمامي للحصول على درجة البكالوريوس في تخصص إدارة الأعمال من جامعة اليرموك”.
وتكمل عبيدات “بعد أن أنهيت دراستي الجامعية، التحقت بالعمل في مركز صحي الرفيد، وهنا كانت الانطلاقة، فقد وجدت في هذا المكان بيئة خصبة لتقديم الخدمات التي أطمح إليها لأبناء منطقتي، وساعدني كثيراً دعم الزميلات والزملاء وحبهم للعمل التطوعي، إضافة إلى تشجيع والدي -رحمه الله- وأشقائي”.
تستذكر عبيدات بفخر أن أول نشاط قامت به بمساعدة الزملاء كان “قياس مستوى السكر” لسكان المنطقة، لمعاناة عدد كبير منهم من ارتفاعه في الدم، دون أن يعلموا بمرضهم. وللتعامل مع احتمالية وجود أمراض أخرى، قررت مع زملائها إقامة “مخيم صحي” لمدة أسبوع بمساعدة الجهات ذات العلاقة، وذلك لكون المنطقة نائية وبعيدة عن المواصلات، ليخاطبوا وزارة الصحة، والخدمات الطبية وأصدقاء للعائلة من القطاع الخاص، وشركات الأدوية، فضم المخيم مجموعة من الأطباء من جميع التخصصات ممن قدموا خدماتهم لأهالي المنطقة. “كنت أشعر بالفخر والاعتزاز عندما أتنقل من مكان لآخر وترد إلى مسامعي عبارة شوفوا وداد الباشا شو عملت وكيف بتقدم خدمات”. تضيف عبيدات.
مسيرة مستمرة من العمل المجتمعي
وأشارت عبيدات إلى أنها لم تواجه ثقافة عيب في منطقتها لأنها وجدت الدعم في بيتها، مشدّدة على قناعتها الراسخة بقدرة المرأة على أداء أي عمل يوكل إليها، طالما أدركت قدراتها ومكامن قوتها، وتكمل قصتها “انتقلت للعمل مديرة مكتب مدير الصحة في المنطقة فاطلعت على ملف “مرضى التلاسيميا” والذي لم أكن أعرف عنه مسبقاً، وبدأت بجمع المعلومات عن المرض وأسبابه، وقررنا مساعدة أهالي الأطفال الذين يعانون منه وأجبرناهم على مراجعة المستشفى، بعد أن جمعنا التبرعات من خلال الأنشطة المختلفة وكان آخرها “ماراثون” في العاصمة عمان لشراء جهاز متخصص لعلاجهم”. بعد ذلك، بدأت المجموعة بالتواصل مع الأهالي الذين سيطرت عليهم ثقافة العيب بوجود مريض في البيت، مع إقناعهم بضرورة العلاج.
عن جمعية الرفيد الزراعية
أنهت عبيدات عملها في وزارة الصحة بعد 16 عاماً، إلا أن ثقتها بقدرتها على العطاء، دفعتها لتأسيس جمعية الرفيد الزراعية قبل 7 سنوات، والتي بدأت عملها بنحو 7 سيدات من المنطقة، ليصبح مجموع العضوات الآن 128 سيدة. وتروي عبيدات قصة التأسيس فتقول “ذهبت لتسجيل الجمعية في الجهات المختصة، إلا أنني فوجئت بردة فعل الموظف هناك، الذي علّق مستغرباً “جمعية زراعية نسائية؟!”، الأمر الذي دفعني لأتمسك أكثر بإنشائها، لأنني أعلم جيداً احتياجات المنطقة التي أقطن بها، كما أنني أرتبط بالأرض، والتراب، والنبات، والزراعة كما هي نشأتي”.
وتكمل “بعد أن حصلت على ترخيص الجمعية، أذكر تماماً أنني وبمساعدة زميلاتي كتبنا اسمها بخط اليد ووضعنا اللافتة أعلى المبنى المستأجر فخورات بإنجازنا، ثم بدأت بالتواصل مع الجهات التي تهتم بالشأن الزراعي محلياً وعالمياً، وكان أول نشاط لنا بالتعاون مع “المركز الوطني للبحوث الزراعية” حول تربية النحل، وعلى الرغم من أن الدورة كانت مخصصة لنحو 60 شخصاً إلا أن عدد الحاضرين كان 128″.

وبحسبها، فمن هنا كانت البداية؛ إذ توالت الدورات المتخصصة بالزراعة، وحصلت الجمعية على مجموعة من المشاريع التي تخدم المنطقة منها البيوت البلاستيكية، والحدائق المنزلية، مشيرة إلى توفير 100 حديقة منزلية في المنطقة، وتدوير النفايات، والمحفظة الإقراضية، ومشروع المخللات والمربيات.

جهود مجتمعية لمجابهة جائحة كورونا
ولقناعة عبيدات بأهمية دور المرأة في العمل العام، أطلقت مجموعة من المبادرات في منطقتها خلال جائحة كورونا منها مبادرة “اللي أمه خبّازة ما بجوع”، فقامت بالتواصل مع تاجر طحين لتوفيره للسيدات لأغراض الخبيز، كما نشرت فيديوهات متخصصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتعليم صناعة الخبز ، سواء في الفرن، أو على الغاز، أو الحطب، لتساهم في توفير هذه المادة الأساسية لأغلب سكان المنطقة. أما المبادرة الثانية التي قامت بها عبيدات فكانت “مونتي من بيتي”، إذ تواصلت مع السيدات من مالكات الحدائق المنزلية، وطلبت منهن تبادل المنتجات الزراعية فيما بينهن، أو بيع الخضروات والفواكه والبقوليات وغيرها من المزروعات.
عبيدات التي تؤكد على أهمية عمل المرأة في مختلف القطاعات، وتحديداً العمل العام، تشير إلى أن سر نجاح المرأة في أي عمل هو ترتيب تفكيرها المرتبط بهدفها والتخطيط له، ليأتي عملها منظماً دون عشوائية فيضمن نجاحها. وبرأيها، فإن الدعم الذي يتوفر لها في بيتها له أكبر الأثر في تحقيق كل ما تريده.
يشار إلى أن “شبكة نساء النهضة” والتي تعمل تحت مظلة منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، تعمل على تسليط الضوء على قصص نجاح السيدات، في مختلف مواقعهن، وكيف تغلبن على التحديات التي واجهتهن ضمن سلسلة من القصص التي سيتم نشرها تباعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. تأتي هذه المدونة ضمن سلسلة من القصص التي يتم انتاجها في إطار مشروع “لأجلهن وبإرادتهن” والذي تنفذه منظمة النهضة (أرض) بالشراكة مع مؤسسة هينرش بل.