قدم رئيس الوزراء الأسبق الدكتور فايز الطراونة، خلال ظهوره على شاشة قناة العربية في برنامج “الذاكرة السياسية” في أربعة أجزاء مؤخرا للحديث عن زمن مفاوضات السلام، نموذجا يحتذى للمسؤول الذي تبوأ مناصب متعددة، والذي وإن خرج من المنصب العام، إلا أنه استمر في الدفاع عن مواقف وسياسات الدولة في مختلف الأوقات والظروف. وهذا الأمر يسجل له ولعدد من المسؤولين السابقين، ممن يملكون القدرة والقوة والخبرة للقيام بذلك.
وما يحسب لبعض هؤلاء الساسة أيضا، قيامهم بتوثيق تجاربهم في مذكرات، للحديث بإيجابية المسؤول الواثق عن مختلف التطورات التي كانوا إما جزءا من صناعتها أو عاصروها، ليقدموا لنا، والأهم للأجيال القادمة، سردا موثقا نستلهم منه العبر والدروس لما ينفع حاضرنا ومستقبلنا. ويأتي كتاب الطراونة، والذي عمل أيضا رئيسا للديوان الملكي الهاشمي ووزيرا للخارجية، “في خدمة العهدين”، مثالا متقدما لهذا الأمر.
ومن اللافت أيضا أن هؤلاء النخب هم في غالبهم من تقدم للحديث مؤخرا عما شهدته الساحة المحلية من تطورات رافقها تفاعل دولي كبير، وكان خروجهم لوسائل الإعلام عاملا مهما في توضيح بعض التفاصيل، والتي صبت في النهاية في خدمة المصلحة الوطنية العليا.
هذا من جانب. أما ما يدفع للتساؤل والاستغراب والحسرة، من جانب آخر، فهو الغياب التام للكثير من المسؤولين السابقين عن المشهد، وتحديدا بعد خروجهم من الموقع العام، والاكتفاء بالصمت وعدم الاكتراث في الدفاع عن مواقف وسياسات الدولة كما كانوا يتسابقون في ذلك زمن مناصبهم، الأمر الذي يطرح سؤالا مهما إذا ما كانوا فعلا أهلا لتولي زمام الموقع العام في الأصل؟
والأنكى أن هذا النوع من المسؤولين قد لا يكتفي بممارسة لعبة السكوت، ولكنه، وإن خرج علينا يوما، فسيسعى لتصوير الدنيا خرابا ما بعد خروجه من المنصب، مكتفيا بالتنظير لبطولاته السابقة في محاولة منه للدفاع، ليس عما تقتضيه المصلحة العامة، بل عن نفسه وصورته في المقام الأول.
وإذا أراد أحد، من هذه الفئة، أن يشد الانتباه إليه أكثر، فإنه قد يفكر في لعب دور المنتقد لمواقف وسياسات الدولة، إن لم يكن المعارض، في محاولة لتسليط الضوء عليه وإعادة تدوير نفسه، لعل وعسى أن يحظى بمنصب هنا أو هناك، يعيد إليه ألقه مجتمعيا!
وما بين إيجابية الفريق الأول، وسلبية الفريق الثاني، من المسؤولين السابقين، يأتي دور المواطن ووعيه للتفريق بين ما هو حق وما هو باطل. ويبقى التاريخ حكما لمن أراد فعلا خير الوطن، قيادة وشعبا، من خدمته في الموقع العام، ومن أراد منفعة نفسه.
وفي النهاية، فعلى الجميع إدراك أن مسيرة الوطن وقيادته، بعد مائة عام على التأسيس، والقدرة الاستثنائية على تجاوز مختلف الصعاب هي خير دليل على قوته ومنعته واستمراره الأبدي في العطاء. لكن يبقى ما يقوم به المسؤول، سواء داخل دائرة المنصب والأهم خارجها، في الدفاع عن مواقف وسياسات الدولة دليلا على صدق النوايا، والتي إن صلحت، صلح ما بعدها.