ظلت المرأة في الريف والبادية تعمل ضعف عمل الرجل، فقد كانت تقوم بكل أعمال البيت في الريف- وما أكثرها- وتشاركه في أعمال الزراعة المختلطة خارجه في عصر اقتصاد الكفاف، وكذلك كانت تفعل المرأة في البادية، فقد كانت تقوم بكل أعمال البيت في الخيمة ، وترعى المواشي أيضاً. أما في المدن فقد كان الأمر مختلفاً، فأنت قلما كنت ترى المرأة خارج البيت، وإذا رأيتها كنت تراها محجبة أو مبرقعة (حضر).
وفي جميع الحالات كانت المرأة /الأسرة في تلك الفترة منتجة، وإن اختلفت درجة وطبيعة الإنتاج بين أسرة البادية وأسرة الريف، وأسرة المدينة، وكان الإنتاج يتم دون مقابل أي أنه لم يكن عملاً مأجوراً.
ثم حدث الانقلاب الاقتصادي الكبير الناجم عن الانقلاب الصناعي أو التكنولوجي، فحلّ اقتصاد السوق أو الاقتصاد النقدي(Cash) محل اقتصاد الكفاف، وتحولت الأسرة من منتجة إلى مستهلكة.
ونتيجة لهذا التحول صار لا بد من خروج المرأة من البيت للعمل المأجور. وقد ووجه هذا الاضطرار بقوة في البداية -وإلى عهد قريب- في المجتمعات المسلمة. غير أن الاقتصاد الجديد أجبر الأسرة المستهلكة والمجتمع على قبول خروج المرأة وليس الرجل فقط إلى العمل خارج الأسرة أو البيت. ولما كانت الأعمال والمهن الجديدة لا تتم بالتلمذة المرافقة لأصحابها ، كما كان عليه الأمر في الماضي ، بل بالتعليم والتدريب فقد انخرطت المرأة الجديدة في التعليم، ثم في التمريض. وهكذا أخذت المسبحة تكر باقتحام المرأة لجميع الأعمال والمهن والميادين. وبهذا الإضطرار أو الخروج أفلت الزمام من الرجل، وبخاصة عندما بلغ وعيها مستوى وعيه.
صارت تطالب بحقوقها السياسية والإنسانية المساوية لحقوق الرجل فيهما. وقد تمكنت في كثير من البلدان ومنها المسلمة – العربية وغير العربية – من الحصول على كثير منها. وها هي على الطريق تمضي وتكافح للحصول عليها كاملة شاءت عقلية اقتصاد الكفاف وتعدد الزوجات والإماء والجواري ذلك، أم أبت.
وبطريقة تبدو خفية وذكية تغلبت على هذه العقلية وألحقت الهزيمة بأشد المعارضين، بالحجاب أو بالوجه الثاني للحجاب الذي لا يراه كثير منهم لأنهم يعتبرونه استمراراً لهيمنتهم على المرأة. لكنها به تحررت اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وآن الأوان للتخلي عنه بعدما أدى وظيفته، إذ لم يعد لدى الرجل القدرة على إلغاء حقوقها وحرياتها المفعلّة ومقاومة انتقال المرأة من مبنية للمجهول طيلة القرون إلى مبنية للمعلوم.
المعارضون الألدون لحرية المرأة وحقوقها الإنسانية اعتقدوا أنها وقد تحجّبت فقد تحصّنت، وأنها وقد تحصّنت فإنها يمكن أن تخرج من البيت، فسكتوا وبلعوا طعم الحجاب.
في الماضي – أي في عصر اقتصاد الكفاف – كانت كل امرأة تصلح للزواج، وكان كل رجل كذلك. أما اليوم فقد تغير الأمر. صار الطلب على المرأة المتعلّمة العاملة وعلى الرجل العامل أيضاً ملحاً، لأن الأسرة الحديثة لا نستطيع أن تبدأ وأن تدوم دون دخلٍ كاف يغطي حاجاتها ورغباتها. صارت الأسرة تحرص على تعليم بناتها حرصها على تعليم أولادها. بل وصل الأمر في المجتمع إلى قبول سفرها للدراسة أو للعمل، في الخارج. وصارت المرأة تلبس البنطال (ثورة) والجاكيت كالرجل بعدما كان ذلك نشازاً، وتقود السيارات، والطائرات، والسفن، وترد الفضاء، وتذهب إلى السينما، وتجلس في المقاهي، وتأكل الساندويش في الشارع وهي تمشي… دون أن يرى أحد في ذلك عيباً. وإذا لم تصدق أن هذا التحول والانتشار قد نما، فإنني أدعوك لعمل جولة حول الدولة، وأن تسجل ما ترى.
وقد بلغ التحول أوجه في تفوق البنات على البنين في جميع مراحل التعليم وفي مختلف البلدان وهي ظاهرة تجذب الانتباه وتدعو إلى الدراسة.
كما صرنا نرى النساء «عضوات» في النقابات، ومجندات في الأمن العام والجيوش، ووزيرات في الحكومات، وممثلات للشعب في البرلمانات. كما صار بعضهن وزيرات دفاع ورئيسات حكومات ودول.
القاعدة أو القانون أن الدولة لا تستطيع أن تنادد أو تنافس أو تقاوم دولة أخرى إذا كانت تعتمد على نصف قواها البشرية، بينما تعتمد تلك الدولة على جميعها.
لم يكن أحد في عصر اقتصاد الكفاف يتوقع مثل هذا التغير أو التحول، ولكنه وقع، وها نحن نتحول أو يجب ان نتحول لعصر إقتصادي جديد لتلبية متطلباته ومواجهة تحديات وسلبيات الثورة الصناعية الرابعة، أو الرقمية الموسومة بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا النونية، فهل نحن مستعدون لذلك أم أنها ستداهمنا كما داهمنا الاقتصاد الحديث؟!!!
وفي الختام أتمنى إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتضامن النساء (UN For Women Solidarity Organization) مهمتها حماية الحقوق التي حصلت عليها المرأة واستكمال حصولها على كامل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأحدها أن يأخذ الأطفال اسمها كما يأخذون اسم أبيهم، لأن كل جهودها في حملهم، ووضعهم، وإرضاعهم، وتنشئتهم، وتربيتهم… تضيع دون ذلك.