صدى الشعب – يبدو أن المتضررين من الزلزال في سوريا يدفعون ثمن عداء الغرب تجاه دمشق من جانب، والحرب الدائرة في البلاد من جانب آخر.
ظهر التمييز واضحا في التعامل الأممي والغربي مع سوريا مقارنة بتركيا رغم أن الكارثة واحدة، بل وظهر التمييز في توزيع المساعدات داخل المناطق المتضررة في سوريا نفسها، سواء في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية أو الجماعات المسلحة.
والازدواجية الإنسانية الغربية في التعامل مع زلزال سوريا، كانت واضحة ومفضوحة أمام مرأى ومسمع من العالم.
من جانبه، قال الكاتب الصحفي ديفيد هيرست في مقال له إنه يعتقد أن إحجام أوروبا الطوعي عن أن تكون المستجيبَ الأول في أزمة الزلزال يجعل منها مجردَ قلعة ٍحصينة تحتفظ بثرواتها لنفسها وتطوقُها بأسوارٍ مكهربةٍ، حسب تعبيره.
ويعتقد هيرست أن سوريا تم التخلي عنها قبل الزلزال عندما تُرك اللاجئون يموتون من البرد، فيما قال إن الغابة التي تحيط بالحديقة الأوروبية يمكنها أن تغزوها قريبا إن لم تجد وسائل أفضل للتواصل معها.
في المقابل، قال الكاتب الصحفي جوناثان كوك إن الهزة الأرضية كشفت أن مزاعم الغرب بالتدخل في الشرق الأوسط لأغراض إنسانية ما هي إلا مجردَ كذب، وأن العقوبات الغربية على سوريا تعد سياسة إجرامية.
وأضاف أن مساعدة الأوكرانيين بالدبابات والطائرات، على سبيل المثال، مع حرمان السوريين من الضروريات ما هو إلا عَداء موجه إلى روسيا في الحالتين، ولكن من سيعاني في النهاية هم نفس السوريين الذين ادعى الغربُ رغبته في إنقاذهم.
الأجندة السياسية
ومن دمشق، أكد د. أسامة دنورة الكاتب والباحث في العلوم السياسية، أن الأجندة السياسية طغت على طرق إرسال المساعدات إلى سوريا، مشيرا إلى أن التفاعل الأممي والغربي مع زلزال سوريا لا يبشر بخير، مشككا في قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مبادرتها بالعمل على جمع 400 مليون دولار لمساعدة المتضررين من الزلزال.
وأضاف أن التعامل الدولي مع تركيا يختلف تماما عن التعامل مع سوريا في كارثة الزلزال بسبب الحسابات السياسية والعقوبات الدولية المفروضة على دمشق.
متاجرة دولية
من جانبه، أكد رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في شمال وشرق سوريا من الرقة، شيخموس أحمد، أن الزلزال فاقم الوضع الإنساني في سوريا بشكل ملحوظ.
وأوضح أن المساعدات الإغاثية لم تصل إلى كل المناطق في سوريا وسط متاجرة دولية الادعاء بمساعدة السوريين.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي رغم مرور نحو 9 أيام على الكارثة الإنسانية ما زال يتحدث حول كيفية فتح المعابر لتوصيل المساعدات.
وأوضح أن النزاع السياسي في سوريا أدى إلى صعوبة التعامل مع ضحايا الزلزال في كافة المناطق السورية.
مناطق الشمال السوري
جانب آخر للأزمة، وهو تأخير وصول المساعدات الدولية لمناطق شمال غرب سوريا المتضررة، من جراء الزلزال المدمر، والذي سلط الضوء على المعابر الحدودية لها مع تركيا، وكذلك على القوى التي تسيطر عليها.
فمناطق المعارضة السورية لديها معبرين مع تركيا هما “باب الهوى” في ريف إدلب، ومنه تدخل المساعدات الإنسانية، ومعبر “باب السلامة” في ريف حلب، والذي كان مغلقا بموجب قرار أممي سابق.
وهناك معابر أخرى تحت سيطرة المعارضة وهي معابر تجارية مدنية، مثل: جرابلس والراعي والحمام، لكن تجهيزها أقل من معبري باب الهوى وباب السلامة.
أما المعبر الحدودي الوحيد بين تركيا ومناطق سيطرة الحكومة السورية فهو “يايلاداغي – كسب” وهو ما زال مغلقا، مع العلم بأن أنقرة تدرس فتحه مع اللاذقية بهدف إدخال المساعدات.
وبينما أخفق مجلس الأمن الدولي في التوافق على مشروع قرار بتشغيل معابر حدودية إضافية في سوريا، وافقت الحكومة السورية على فتح معبري “باب السلامة” و”الراعي” لإدخال المساعدات الإنسانية، وهو قرار كانت تتمنى عواصم غربية كبرى أن يكون أمميا لا دمشقيا.
وتعليقا على ذلك، طالبت نائبة مدير الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رانيا أحمد، بعدم تسييس الأزمة وبتوجيه المساعدات لمن يحتاجها في سوريا دون تصنيف أو تمييز.
وأشارت، في تصريحات لقناة الغد، إلى أن سوريا في حاجة هائلة للمساعدات منذ أكثر من 12 سنة بسبب الحرب وتبعاتها.
وأكدت أن فتح المعابر في سوريا لتوصيل المساعدات خطوة هامة لإنقاذ الضحايا وانتصار للإنسانية.
وأضافت أن السوريين نجحوا في توصيل أصواتهم وفرض الإرادة على المجتمع الدولي لتجاوز الخلافات السياسية.
وأشارت إلى أن المناطق السورية تحتاج إلى توفير أطعمة ومياه شرب وأماكن إيواء وخدمات طبية بسبب انهيار كثير من المستشفيات بسبب الزلزال.
أكبر كارثة
من واشنطن، أكد، كبير الباحثين في المجلس الأطلسي، توم واريك، أن الزلزال يعد أكبر كارثة تواجه الشعب السوري.
وأوضح واريك، خلال تصريحات لقناة الغد، أن الغرب استجاب بشكل بسيط لإغاثة سوريا ودعمها في كارثة زلزال.
وأضاف أن الغرب يتحجج بأن سوريا لم تساعده على توصيل المساعدات بسبب غلق المعابر بالإضافة إلى الخسائر الغربية من الحرب الأوكرانية.
الدعم العربي لسوريا
بما لا يدع مجالا للشك فإن الدعم العربي لسوريا كان جليا في كارثة الزلزال، وربما هو الأمر المعتاد أن يتضامن الأشقاء، لكن في هذا التوقيت ليس بمعتاد لا سيما بعد أن ضرب الجفافُ علاقات بعض الدول العربية مع سوريا.
وطال الأمر عضويةَ دمشق في جامعة الدول العربية، لكن الكوارث الطبيعية كما تترك آثارا اقتصادية وأخرى نفسية فتمتد أيضا إلى التداعيات السياسية.
وقد يكون الدعم العربي هو البديل المناسب وقت الكارثة لتعويض الشعب السوري عن التخاذل الأممي والغربي.
وتعليقا على ذلك، أكد رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، أحمد المسلماني، أن كارثة زلزال سوريا أكدت أنه ليس للعرب إلا العرب.
وأوضح المسلماني، خلال تصريحات لقناة الغد، أن الأزمة تتطلب أن تكون هناك عروبة جديدة دون فرض أيديولوجية مثلما كانت في الستينيات.
وأشار إلى أن العرب يجب أن يدرك أنه لا توجد قوة إقليمية أو دولية قادرة على إنقاذهم، واقترح أن الحل هو تشكيل تكتل عربي اقتصادي يحترم المصالح.
نصف الشعب يواجه الجوع
وقالت الأمم المتحدة في بيان أمس الثلاثاء إن ما يقرب من 9 ملايين شخص في سوريا تضرروا من الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا الأسبوع الماضي مضيفة أنها أطلقت نداء لجمع قرابة 400 مليون دولار لتلبية الاحتياجات هناك.
وحذرت كورين فلايشر، المديرة الإقليمية لبرنامج الغذاء العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا الشرقية من سوء الأوضاع الإنسانية في سوريا، قائلة إن نصف الشعب السوري يواجه الجوع الآن.
وقالت: “في سوريا الآن، نصف السكان يواجهون الجوع ، وهذا أسوأ ما شهدناه منذ بداية الأزمة في البلاد.. حتى في ذروة الحرب، لم يكن لدينا 12 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي”.
وأضافت: “الآن لديك هذا الزلزال في القمة، حيث يحتاج الآلاف من الأشخاص إلى المساعدة وأولئك الذين كانوا بالفعل معرضين للخطر، كما تعلمون، قد يكونون قد فقدوا منازلهم وتأثروا بشكل مباشر.. لذا فإن الوضع في سوريا مأساوي.. كان الأمر سيئًا للغاية من قبل، والآن أصبح الأمر مأساويًا ونحتاج إلى الدعم لنكون قادرين على توفير ما هو مطلوب لسكان سوريا”.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن زلزال تركيا وسوريا هو أكبر كارثة طبيعية خلال قرن في أوروبا.
وقال مسؤولو الصحة العالمية إن السوريين في المناطق المنكوبة يحتاجون الدعم الآن ولسنوات عديدة، مؤكدة أن مستوى الدمار في سوريا جراء الزلزال غير مسبوق.