عبدالرحمن البلاونه
مئة يوم من الصبر والثبات، مرت والأشقاء في غزة الصمود يسطرون أروع ملاحم التضحية والفداء التي عز مثيلها، في زمن الذل والعمالة والخنوع والانبطاح، مئة يوم من الصبر والثبات والإقدام في مواجهة الغازي المحتل الذي نكل بأبناء القطاع ونفذ أبشع الجرائم بحق الإنسانية، بجرائم إبادة جماعية، متجرداً من الأخلاق والمبادئ والضمير، استخدم خلالها آلاف الأطنان من القذائف و القنابل والمتفجرات، التي القاها على القطاع الصامد الصابر، من البر والبحر والجو، ليمزق أجساد الأطفال الأبرياء إلى أشلاء، في محاولة بائسة و يائسة، لكتم صوت الحق المطالب بالحرية والخلاص من المحتل الجبان، الذي اغتصب الأرض ودنس المقدسات، وعاث فيها فساداً وافسادا، ولكن هيهات هيات، ففي غزة رجال رجال، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ولقي وجه ربه الكريم راضياً مرضياً، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا.
مئة يوم من الصبر والثبات، في مواجهة القتلة المحتلين، راح خلالها عشرات الآلاف ما بين شهيد وجريح، من الأطفال والنساء والشيوخ، تهدمت منازلهم، ومدارسهم، ومستشفياتهم، ودور العبادة، لكن ارادتهم لم تنكسر، وقناتهم لم تلين، وما زادهم ذلك إلا إصرارا، على مواجهة المحتلين، وبإيمانهم بربهم يصبرون ويصابرون ويرابطون، متيقنين بأن نصر الله قادم لا محاله، وأن الله لن يخذلهم، فقد تجرعوا مرارة الخذلان من أمة بأسرها، ولم تشفع لهم عروبتهم لدى أشقائهم، الذين تركوهم فريسة في مواجهة المحتل وحيدين، ووضعوا رؤوسهم بالرمال، ينتظرون من العدو القضاء على أشقائهم، لكنهم خابوا وخابت مقاصدهم.
مئة يوم من الصبر والثبات، أثبتت عجز المحتل الصهيوني بترسانته العسكرية الضخمة واساطيله، وجيشه الجرار الجبان، وكسرت إرادته، وقهرته، وداست بأحذية المجاهدين كرامته، وعجز عن اخضاعهم، صابرين صامدين متوكلين، لا يضرهم من خذلهم، أذاقوا العدو المحتل سوء العذاب، واجهوه بصدورهم العارية – إلا من العزة والشجاعة والشهامة – أحدث الآليات و الدبابات المزودة بأحدث المعدات وأجهزة المراقبة وال ( رادارات ) وأحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا الحديثة، ودمروا منها ألف ٱلية، ما بين دبابة، وجارفة، وناقلة جند، وغيرها من المركبات العسكرية، وحولوها إلى كرات ملتهبة، انصهرت بداخلها أجساد جنودهم العفنة.
مئة يوم من الصبر والثبات، أعادت القضية الفلسطينية، إلى صدارة القضايا العالمية، وأحيتها لدى الأجيال القادمة، التي ستكون شاهدة على جرائم الإبادة التي نفذها الغازي المحتل – تبت يداه – بحق أصحاب الأرض الغر الميامين.