لدي أربع عشرة قصة حزينة – يا دولة الرئيس – استأذنك بأن أضعها على مكتبك، وعشمي فيك وأنت تبدأ مشوارك في خدمة بلدنا العزيز أن لا تقرأها من زاويا السياسة ولا القانون، ولا حتى من باب «الاختلافات» في التفاصيل التي قلت بأنها في إطار الممكنات وربما الواجبات الوطنية أيضا، رجاء اقرأها من باب الإنسانية الذي يجمعنا بلا استثناء.
هذه القصص ضحاياها من الشباب الأردنيين الذين افنوا زهرة عمرهم في «تربية الأجيال « ولم يتعرضوا طيلة مسيرتهم لعقوبة او تنبيه، ثم تفاجأوا بقرارات إحالتهم على الاستيداع قبل ان يكملوا المدد المطلوبة للتقاعد، فانكشفت «جيوبهم» بعد أن «انخسفت» رواتبهم أمام التزاماتهم للبنوك والجامعات والمدارس، وانكسرت عيونهم أمام نظرات أبنائهم المشفوعة بالحاجة والعوز وقلة اليد والحيلة.
يقول احدهم : فوجئت بقرار إحالتي إلى الاستيداع، اعتبارا من تاريخ 31/7/2020، عن خدمة 20 سنة و11 شهرا، ولقد أوقع هذا القرار ضررا ماديا ومعنويا جسيما بي وبمستقبل أسرتي، في ذروة التزاماتي المادية نحوهم، حيث هبط راتبي من 700 دينار إلى 72 دينارا، علما أنني أعيل أسرة من 6 أفراد، ولدي ابن وابنة في الجامعة، أحدهم على نظام الموازي، بقسط فصلي قيمته 1200 دينار، واقتطاعات لقروض بنكية بقيمة 250 شهريا، راجيا إعادة النظر بهذا القرار، بإنصافي، وإعادتي إلى عملي، حتى بلوغ الستين، بعد 3 سنوات وشهرين، حسب نظام التقاعد المدني، علما بـأن سجلي الوظيفي يخلو من أية عقوبات،وأن تقاريري السنوية للسنوات الماضية كلها بتقدير ممتاز، أنه لم يتم استجوابي أو تنبيهي -لا شفهيا ولا خطيا- عن أي تقصير يتعلق بأدائي الوظيفي.
يتساءل آخر: هل يجوز ان أكافأ بعد 19 او 20 سنة من العمل والتفاني في الخدمة بالإحالة على الاستيداع ؟ كيف يمكن لي ان اصرف على أسرتي بعد ان تقلص راتبي من إلى اقل من 100دينار ؟ هل يكفي هذا المبلغ لشراء ابسط مستلزمات أولادي لمدة ثلاث أو أربع سنوات قادمة، خاصة في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها مجتمعنا كله .
يا دولة الرئيس، لم أجد أي إجابة لديّ عن أسئلة هؤلاء الموظفين الذي حرموا مبكرا من الاستمرار في وظائفهم ، لكنني وعدتهم ان اضع مشكلتهم على مكتبك، وليس لدي اي تعليق على ما ذكروه ، لا حول أوضاعهم المعيشية التي أصبحت معلقة في دخل لا يتجاوز 100 دينار، ولا حول عقوبة الاستيداع التي تستخدم القانون بعيدا عن روحه ومقاصده كل ما ارجوه ان لا نفتقد قيمة عزيزة تأسس عليها بلدنا ونظامنا السياسي، وهي قيمة «السماحة»..هذه التي حولتنا الى «أسرة أردنية واحدة»، ووحدتنا لمواجهة المخاطر والأزمات التي عصفت بنا – وما أكثرها -، وجنبتنا ويلات الكراهية والمظلومية، وحافظت على وجودنا وثقتنا بأنفسنا، وبمؤسساتنا الوطنية.
يا دولة الرئيس : لا بد ان نتجاوز كل ما شهدناه من أخطاء وخيبات، وما جربه غيرنا من «بروفات» انتصر فيها منطق الانتقام على منطق العفو والسماحة، ليس فقط لان لنا تجريتنا التي نعتز بها، وانما لان ما نواجهه من تحديات وعواصف قادمة تستهدف وجودنا، يحتاج إلى جبهة داخلية صلبة وقوية، لا يعكر مزاجها العام اية ثارات مغشوشة او تصفية حسابات، ولا يهز شجرتها أشخاص لم يتحرروا من عقد الكراهية، ولم يشربوا من نهر سماحة هذا الوطن العزيز الذي بناه آباؤنا وأجدادنا بتعبهم وعرقهم المجبول بالمحبة.
هل وصلت الرسالة..؟ قولوا : آمين.