المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني يكشف الوجه الحقيقي للادارة الحكومية في تقريره “حالة البلاد في 2020”
التقرير الرسمي المكون من 944 صفحة يقول: الانجازات المتحققة لم تقدم أثرا ً مباشرا يلمسه الجمهور المجتمع
حكومة الخصاونة عادت إلى المربع الأول في موضوع الإصلاح وأهملت أولويات حكومة الرزاز وطوت صفحة “على خطى النهضة”
القطاع العام متضخم ومؤسسات الدولة تعاني من الازدواجية والتنسيق بين الوزارات غائب او ضعيف وزيادة في فاتورة الرواتب
الاصلاح ضائع والقطاع العام متضخم والتنسيق بين الوزارات غائب وضعيف
لا خطة استراتيجية لضمان تكاملية العمل وتحقيق الاهداف وصناعة وتنفيذ القرارات
الحكومات تعمل دون الاعتماد على استراتيجية وطنية متكاملة عابرة للحكومات المتعاقبة،
خلص التقرير الرسمي الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني بعنوان “حالة البلاد 2020” إلى أن أن القطاع العام الأردني يعاني من التضخم، سواء في حجم الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية أو من حيث حجم الموارد البشرية العاملة بها.
وكشف التقرير الذي صدر قبل يومين والمكون من 944 صفحة “أن الوزارات ومؤسسات القطاع العام تعاني من الازدواجية والتداخل في تنفيذ العديد من المهام، وضعف التنسيق بين الوزارات وأحيانا كثيرة غيابه لدرجة أن المراجع بشأن خدمة معينة يشعر أن كل وزارة تتبع حكومة مختلفة. اضافة الى ضعف التكاملية في تحقيق الاهداف القطاعية المشتركة، وتضخم الكادر الوظيفي الأمر الذي أدى إلى زيادة في النفقات التشغيلية وفاتورة الرواتب والأجور”.
وقال التقرير: “يكشف تشخيص واقع القطاع العام أن هناك العديد من الهيئات والمؤسسات تقوم بدورها دون الاعتماد على خطة استراتيجية متكاملة لضمان تكاملية العمل الحكومي على المستوى القطاعي، مما أسهم بشكل واضح في صعوبة تنفيذ القرارات والوصول إلى قرارات توافقية مبنية على الحقائق والمعلومات والتخصصية، وإشغال مجلس الوزراء، بأعمال تسيير القرارات الادارية في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون تركيزه منصبا على تحديد التوجه الاستراتيجي ومتابعة تنفيذه من خالل مؤشرات أداء لكل وزارة، إضافة إلى رسم السياسات العامة (التنموية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية وغيرها ذات الصلة)، واتخاذ القرارات على المستوى السياسي والاستراتيجي، ومتابعة الاداء الحكومي”.
وأضاف: “يتضح أن هناك غيابا للتكاملية بين الاستراتيجيات والخطط والبرامج سواء على مستوى الاهداف المرجوة أو المشاريع التنفيذية، وهذا أدى إلى عدم وضوح طبيعة دور مجلس الوزراء في السياسات التي ترسمها المجالس القطاعية ضمن نطاق اختصاصها، خصوصا أن مجلس الوزراء في نهاية الأمر هو المسؤول عن آثار تطبيق هذه السياسات.
وقال: “ان الانجازات المتواضعة لا ترتقي لإصالح القطاع العام وتطويره بشكل شمولي وفق الرؤية الملكية وكتاب التكليف السامي لحكومة عمر الرزاز وأولويات الحكومة وفق وثيقة “على خطى النهضة”، إذ لم تقدم الانجازات المتحققة أثرا ً مباشرا يلمسه الجمهور المجتمع والجهاز الحكومي بمكوناته كافة، بالرغم من إجناز عدد من المشاريع والادلة والسياسات التنظيمية. وعند تشكيل حكومة بشر الخصاونة أكد كتاب التكليف السامي للحكومة على البدء بتطوير الجهاز الإداري للدولة، وتنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية خلال ثلاثة شهور، وتقديم مطالعات حول إمكانية دمج بعض الوزارات والهيئات، لرفع كفاءة القطاع العام وتحسين مستوى الخدمات وضبط النفقات.
وتضمن رد الحكومة على كتاب التكليف السامي حول محور القطاع العام: “سنقوم بتنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية خلال الشهور الثلاثة المقبلة، وتقديم مطالعات حول إمكانية دمج بعض الوزارات والهيئات لرفع كفاءة القطاع العام وتحسين مستوى الخدمة وضبط النفقات”.
وجاء في بيان الحكومة أمام مجلس النواب: “تلتزم الحكومة باتخاذ جميع الاجراءات اللازمة لاعادة الهيبة والالق للادارة العامة الاردنية، ومعالجة الاوضاع غيرالحميدة التي ظهرت أخيرا ّ في القطاع العام، بما يسهم في رفع كفاءة المؤسسات الحكومية، وترشيق أدائها، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
واستجابة للتوجيهات الملكية السامية، تعكف الحكومة حاليًا ّ على تنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية لهيكلة القطاع العام، والنظر في إمكانية الدمج العلمي لبعض الوزارات والهيئات، بما يسهم في ترشيق الأداء، وتحسين مستوى الخدمات، وضبط الانفاق.
وقد أشارت الحكومة إلى أنها بصدد مراجعة استراتيجية قطاعية تتضمن جميع الجهات والمحاور وبشكل شمولي محدد الصلاحيات ومؤطر زمنيا ومحدد بمؤشرات أداء ومستندإلى تحليل واقع الحال وتقييمه.
وحتى وقت إعداد هذه المراجعة لم يتضح قيام الحكومة بأي إجراءات تضمن استمرارية العمل بأولويات الحكومة السابقة والتزامتها أو بأي مشاريع لاستكمال مسيرة إصلاح القطاع العام، ما يعني العودة إلى المربع الاول في إصلاح القطاع العام بتشتت مكونات إصلاحه وضياعه بين الحكومات، وخير ما يجسد هذا الوضع توجهات الحكومة باعتماد برنامج تنفيذي لها للاعوام (2021-2024 ) بمنأى عن إجراءات الحكومة السابقة.
وتخلص هذه المراجعة التي بدأ إعدادها في عهد حكومة عمر الرزاز وانتهى في عهد حكومة بشر الخصاونة، أن الحكومات ما زالت تعمل من دون الاعتماد على استراتيجية وطنية متكاملة عابرة للحكومات المتعاقبة، وبهذا تطوى صفحة “على خطى النهضة ” التي اقترحتها حكومة الرزاز وكذلك أولويات الحكومة (2020-2021)، لتبدأ الحكومة الجديدة بأسلوب جديد ومقترحات جديدة لتطوير القطاع العام وإصلاحه، ما يعني استمرار حالة التشتت في الوقت الذي ينبغي أن ينشأ فيه كيان حكومي عابر للحكومات ولا يتأثر بتغيرها، ويمكنه أن يتولى تنفيذ خطة وطنية تبنى على الانجازات السابقة.
وقد أثار الملك عبد الله الثاني في لقائه مع كالة الانباء الاردنية في نهاية شهر كانون الثاني 2021 موضوع إصلاح القطاع العام حين قال: “لذا وجهت الحكومة إلى وضع برنامج لتحقيق إنجازات عملية وملموسة لتطوير وتحسين فاعلية جهازنا الإداري. يجب تكريس معايير واضحة للتقييم والاداء، تحفز الابداع والعمل الجاد ولا تسمح للتكاسل، او لقلة لا تؤدي دورها باعاقة الانجاز ويجب وضع برامج تدريب مستمرة، تنمي الكفاءات وتضمن مواكبتها للتطورات، وتعيد الالق إلى جهازنا الإداري، الذي لطالما تمتع بسمعة طيبة، وكذلك يجب تنقية جهازنا الإداري مما علق به من شوائب، مثل الواسطة التي هي ظلم وفساد، ويجب اتخاذ كل التدابير الإدارية والقانونية والاجتماعية
وتوفير الخدمات الالكترونية لتحقيق الفاعلية في الأداء. ولا بد من تعزيز الأدوات الرقابية في مؤسسات الدولة، لضمان أداء فاعل شفاف، يحترم التشريعات ويسير بوضوح نحو الاهداف”.
وقال أيضا: “لنكن صريحين؛ النمو الاقتصادي يحتاج موارد واستثمارات قد لا تكون متوفرة دائما، لكن الاصلاح الإداري لا يحتاج الا إلى إرادة وبرامج وخطط واضحة. وهذه يجب أن تتوفر.. نريد تقديم أفضل خدمة ممكنة لمواطنينا، وعلى كل مؤسساتنا أن تبدأ اليوم قبل الغد، بوضع برامج لتحسين آليات توفير الخدمة للمواطنين، وأن تضع أهدافا محددة متعلقة بسوية تقديم الخدمة ونوعيتها والعدالة في إيصالها، وأن يكون هناك تقييم دوري لمدى تحقيق هذه الاهداف”.
واصدر المجلس في تقريره جملة من التوصيات جاءت على النحو التالي:
يهدف الإصلاح الإداري بوجه عام إلى تنظيم الجهاز الإداري للدولـة، وإجراء تغييرات جوهرية وأساسية في بنية الإدارة وتركيبتها وإجراءات الجهاز، ورفـع كفاءته على أسـس علميـة، ليكون قـادرا علـى الاضطلاع بالمهام والاختصاصـات المحددة له وتقديم الخدمات اللازمة على أفضل وجه وبكفاءة وفعالية.
وعلى هذا الأساس، فالإصلاح الإداري عملية تهدف إلى ترشيد الانفاق وتحسين الاداء فـي مؤسسـات الدولة وجهازها الإداري، وإدخال التغيرات التي تكفل تحقيق هذه الأهداف، لـذلك يعد هذا الإصلاح رافدا لتطوير القطاع العام والإدارة العامة في مهمة الارتقاء بمستوى التنظيم والإجراءات في الجهاز الإداري لتحقيق الكفاءة في الأداء مع التركيز على فاعلية المخرجات والنتائج.
وقد اتسمت السنوات الأخيرة بتطورات وتحديات عديدة كان لها تأثيرات مباشرة على الإدارة العامة والجهاز الحكومي، ومن أهم هذه التحديات اختلاف دور الدولة، والتغيرات البيئية، وتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولكي يتمكن القطاع الحكومي من مواجهة تلك التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، ينبغي عليه الاستفادة من التطورات الحديثة في الإدارة وتجارب الدول الأخرى في كفيية التعامل مع مثل هذه القضايا الجوهرية.
ويتطلب التعامل مع القضايا التي حدثت على المستويين الاقليمي والعالمي، إحداث تغييرات جذرية في أسلوب الإدارة في الجهاز الحكومي وكفيية تقديم الخدمات، وهذا يستلزم تبني مفهوم حديث لإلصالح الإداري يتلائم مع التغيرات التي يمر بها الجهاز الحكومي، فالمفهوم التقليدي للإدارة العامة لم يعد قادرا على التعامل مع التطورات الحديثة.
وما زال القطاع العام يخطو خطى بطيئة لا تتناسق مع الرؤية الملكية الصالح القطاع العام، وبشكل خاص ما ورد في كتاب التكليف السامي والأوراق النقاشية والاجتماعاتوالتوجيهات الدورية للحكومة، إذ تعد المشاريع والمبادرات التي تعمل عليها الجهات ذات العالقة في تطوير القطاع مبادرات متواضعة وتقليدية، وهي من المهام الأساسية لتشكيل هذه الجهات، والتي تنعكس بشكل مباشر على إصلاح القطاع، فقد تركز دور الجهات على إصدار الأدلة الإرشادية والتعليمات والسياسات دون الخوض في مشاريع تنفيذية تعكس الإصلاح الإجرائي والهيكلي للقطاع، وتمحور عمل وزارات تطوير القطاع العام منذ عام2010 ، حتى بعد إلغاء الوزارة وتكلفي وزير دولة بشؤونها، على إصدار الإدلة والمنهجيات، دون الخوض في كفيية تطبيقها أو إعداد أطر عامة للتطبيق الفعلي ومراقبة وقياس أثر السياسات أو الإدلة، وما زالت الحكومة تمارس إجراءات الهيكلة بدمج المؤسسات كخيار استراتيجي في الهيكلة واتخاذ قرارات الإحالة على التقاعد لموظفي الجهاز الحكومي وبتدرج بحسب سنوات الخدمة، مما سيؤدي إلى إفراغ القطاع العام من منظومة خبرات معرفية تراكمية معتبرة مع الأخذ بعين الاعتبار وقف التعيين لأصحاب الكفاءات مما سيؤثر بشكل كبير على مستوى الجهاز الحكومي. ومن جانب آخر لم تعمل الحكومة على الاستفادة الفعلية من مخرجات المشاريع الدولية الممولة لدعم القطاع العام، مما يعني عودة الجهات الحكومية إلى نقطة البداية في العديد من المشاريع، وتكرار مشاريع التطوير الممولة بقروض أو منح دولية، ويعود ذلك لعدم وجود جهة رسمية تراقب انجاز وتنفيذ الدراسات والمشاريع االستشارية على أرض الواقع.
وعلى ضوء ذلك، يمكن إيراد مجموعة من التوصيات والمقترحات لتطوير الإدارة العامة