يروي الجاحظ في كتابه الشهير «البخلاء» قصة رجل يدعى أبو الهندي وكان يخاطب الخدم بلغة عويصة. وإذا ما فهم عليه أحدهم، قام بطرده واستبدله بآخر وهكذا. وذات يوم، بعث الله له خادما (ذكيا) بل و(داهية).
استيقظ أبو الهندي عابسا مكفهرا مش طايق حاله مثل معظم الناس عندنا، وصاح على خادمه قائلا: هل أصقعت العتاريف؟
ولو كان قاله لواحد منا لما رد عليه كائن. لأن الكلام غير مفهوم وهو بمثابة تعجيز وبخاصة إذا كان للخادم الذي يفترض أنه إنسان بسيط وغالبا غير مثقف وبالتأكيد ليس ضليعا باللغة العربية ولا يعرف « لسان العرب « ولا « قاموس المحيط».
لكن الرجل عاد وكرر الجملة، وأظنه لو قالها لواحد منا لترك البيت وهجر العمل الى غير رجعة.
لكن الخادم النبيه رد عليه قائلا:
* زقفليم.
وهنا ثار الرجل المتجبر و«اللي مش طايق حاله» قائلا: يا غبي، سألتك، أصاحت الديوك؟
عندها إبتسم الخادم الذكي وقال له وأنا قلت لك «زقفليم»، أي كلا لم تصحُ.
أسوق هذه الحكاية وأنا أتابع سلوك بعض أصحاب العمارات وبعض «مُحدثي النعمة» الذين يستبدون في معاملتهم لـ(حراس العمارات) ويتعاملون معهم باعتبارهم (خدما) عند أهاليهم. صراخ وطلبات في منتصف الليل: جيب لي علبة سجاير. جيب لي جرة غاز وتنساش توقف الباص للولد الصبح وانت رايح على الدكان، فكري لي شو ممكن أطبخ. عندي عزومة اليوم. وبالمرة وانت راجع مر لي ع الحضانة وصيهم على ابني «توتو» وخليهم ما يصيحوا عليه لانه مش متعود حد يعصّب عليه. أصله آخر العنقود، واحنا مدلعينه وجبناه بصعوبة ب «الانابيب».
أتخيل كثرة الطلبات، وأتأمل هؤلاء الحراس او «الخدم» وهم يعملون على مدار الساعة من أجل كسب ود أصحاب العمارات والسكان «المتعجرفين» الذين لم يصدقوا أنهم صاروا «أثرياء» وصارت لديهم شقق وبيوت يلقون «زبالتهم» من الطابق الرابع ضمن سلوك متعجرف.
ترى لو وجدوا من يرد عليهم مثل خادم «أبو الهندي» وكال لهم الصاع صاعين، هل كانوا سيستمرون في «عنطزتهم»..؟
كلنا اولاد تسعة، والا في حدا اولاد عشرة ونص وخمسة؟.