كتب. بشار الجرار
«فركش» مصطلح فني باللهجة المصرية يعني إلغاء التسجيل أو «البروفة»، وهي النسخة السابقة للتسجيل أو البث، لأي سبب كان يراه المخرج
حال بعض الحملات الإعلامية في كل ما يستدعي الاستقطاب أو التخندق، عادة ما ينتهي بالتخفيف التدريجي إلا في حالات الاختراق الدبلوماسي، فتكون همسة أو صرخة «فركش» صادمة صاعقة لجوقات الطرفين، وخاصة عازفي الأدوات الموسيقية النحاسية والإيقاعية كالطبول والدفوف أو كل ما علا صوته بنقر الأصابع أو ضرب الكفوف!
لا أتحدث هنا عن الخبر المفرح الذي أسعد كل عربي وكل محب للسلام وهو الاتفاق الثلاثي بين السعودية الشقيقة وإيران والصين، وإنما الكثير من الأزمات ذات الاستقطاب العالي، كالأزمة المغربية الجزائرية، والحزبية اللبنانية والفصائلية الفلسطينية، وكثير من الخلافات العربية-العربية -نظما وتنظيمات- إبان الحرب الباردة، والتي كانت بشكل أو بآخر إحدى ارتداداتها أو أدواتها
ما لم يتغير في كل تلك الأزمات، هو ذلك الفارق الكبير بين أولئك الصادقين الواضحين في مواقفهم، وتلك الفئة المزرية من المتذبذبين والانتهازيين، من محترفي بضاعة الدق على الطبول، والنفخ في كير العداوة والبغضاء. هم شياطين الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي الذين تكسد بضاعتهم البائسة كلما كسب الحق والخير والسلام جولة أو صولة أمام الباطل أو الجاهل أو الغافل
لا يعنيني هؤلاء، فسوقهم رغم أنها رائجة في بعض الأوقات والأماكن، إلا أنها إلى زوال، فهي زرع في أرض بور.الأمل في القائمين على حملات توجيه الرأي العام وحشده في التعلم من أخطاء الماضي، أخطاء «الآخر» أولا، قبل الاضطرار إلى التعلم من أخطاء الذات
العجب العجاب، أن مخرج «فركش» هنا بقدرة قادر، يصير مخرج «آكشن» هناك. يصر البعض على الإثارة والتسخين، رغم أن التهييج والتحريض فعل بدائي في ميادين الفكر والثقافة والإعلام، والتي غالبا ما تأتي بنتائج عكسية، فتصدق فيهم -وأعني المحرضين- مقولة: ارتدّ السحر على الساحر
هذا السحر «الدعائي»، كأي سحر، أسود. فالتحريض لا يقوم إلا غرائزيا، ولا يدوم إلا بالهياج الذي تزول فيه الحكمة وتنعدم فيها الرؤية. والمرجو من ممولي مخرجي «الفركش» و «الآكشن»، حسن استخدام مواردهم المالية والبشرية وإلا وقع كثيرون في «حيص بيص». لا تدري من مع من، ومن ضد من!
هؤلاء يثيرون الشفقة وأحيانا الضحك. أما من يثيرون الاشمئزاز حقا، فأولئك الذين «لا ناقة لهم ولا جمل» ولا أحد دعاهم إلى قتال في معركة ولا لاقتسام غنائم حسمها حربا أو سلما، يتبرعون هكذا للترديد خلف هذه الجوقة أو تلك! ليتهم يكرمونا بصمتهم، فإن في بعض الصمت نجاة، وفي بعضه الآخر، عبادة