الاستثمار.. ماذا في جعبة الرئيس؟

 

شهور عدة ذهبت ولم ننجز أي خطوات عملية في بيئة الاستثمار، وبقينا تحت إطار التنظير. لكن من الواضح هذه المرّة أن رئيس الوزراء مصمم على إحداث نقلة جديدة في الشأن الاستثماريّ، وهو يصف ما سيقوم به بالثورة، وحديثه الأخير لعدد محدود من الكتاب الصحفيين كان واضحاً إلمامه الكامل بتعقيدات ومشاكل الاستثمار، من تشابك القوانين وتعدد المرجعيات، والعقلية السلبية للجهاز البيروقراطي وكيفية تعامله ونظرته للمستثمرين والمشاريع الاقتصاديّة وآليات التعامل المباشر مع رجال الأعمال والمستثمرين.
الحكومة تعد الآن مشروع قانون جديد للاستثمار سيرسل إلى مجلس النوّاب فور إنجازه بدلاً من المشروع الحالي الذي ألغى جميع الإعفاءات المنصوص عليها بالقانون المعمول به حاليا.
وواضح أن مسألة الإعفاءات سيعاد النظر فيها بالمشروع الجديد لقانون الاستثمار، وسيتم استبدالها بما يسمى بإجراءات التحفيز المباشر للمستثمر والمشروع ، وسيكون هناك ضبط للتداخل القانوني بين قانون الاستثمار والقوانين الأخرى، بمعنى أن التشابك بالتشريع سينتهي بموجب الرؤية المستقبلية، وهذا أمر آخر في غاية الأهمية، لأنه يشكّل عقبة أساسية في إطلاق يد النافذة الاستثماريّة من جهة، وستوضع خريطة عمل واضحة لآليات دخول المستثمر وإجازة ملفه بالشكل المطلوب والمستهدف، فالكثير منهم يبنون مشاريعهم تحت مظلة قانون الاستثمار، ثم ينتقلون تلقائيا إلى قوانين ومؤسسات أخرى بشكل عشوائي، يعوق في النهاية إنجاز المشروع بالشكل المطلوب، ويتسبب بإلحاق الضرر ببيئة الاستثمار في المملكة.
القانون الجديد سيمنح هيئة الاستثمار المرجعية القانونيّة الوحيدة في التعامل مع الاستثمار وقضاياه بكل تفاصيلها، بحيث تكون النافذة الاستثماريّة القناة الوحيدة للمستثمر في متابعة ملفه الاستثماريّ، وإنجازه ضمن معايير واضحة، وسيكون مفوضو النافذة أصحاب صلاحيات حقيقية ومنفصلة عن قوانين وزارتهم التي يمثلونها، لأن التشريع الجديد يجب أن يتزامن من تعديلات تشريعية واضحة لإلغاء التضارب في التفويض الاستثماريّ والصلاحيات الممنوحة للمفوض.
القضايا العالقة الكبرى في ملفات الاستثمار سترفع إلى مجلس الوزراء للبت فيها ووقف الجدل الذي يدور حولها من خلال أصحاب الولاية ضمن إطار مؤسسي واضح في القانون لتلك الآليات.
حتى تصل الحكومة إلى هذه المرحلة سواء بإنجاز مشروع القانون مروراً بمناقشته وإقراره من مجلس الأمة، سيكون على رئيس الوزراء حمل ثقيل من خلال إشرافه المباشر على هذا الملف، والبت في قضاياه المختلفة، فلا يوجد وقت الآن للتجريب، فلم تعد بيئة الأعمال تتحمل ان تكون مختبراً تجريبياً للوزراء والحكومات، فالوقت يمضي، والتحديات تزداد يوما بعد يوما، في الوقت الذي تتسارع فيه الدول في الإقليم والجوار لتوفير كُلّ وسائل الدعم والتحفيز لجذب المستثمرين إليهم، وهذا ما نحتاجه اليوم بأقصى سرعة لإزالة الشوائب والتعقيدات في ملف الاستثمار الشائك، والانتقال للعمل المؤسسي الدائم المبني على الوضوح والشفافية.

أخبار أخرى