بهدوء ودون ضجيج انتهى رئيس الحكومة بشر الخصاونة من التعديل الأول على حكومته، وبقراءة سريعة لتفاصيله فإنه لا يحمل تغييرا جذريا في تركيبة الحكومة ومفاصلها.
المفاجأة الأولى غير المتوقعة كانت استقالة وزير العمل معن قطامين بعد أدائه اليمين الدستورية أمام الملك احتجاجا على سحب حقيبة الاستثمار منه.
ببساطة كان يمكن للقطامين أن يستقيل حين عرض عليه الرئيس حقيبة العمل فقط، أو تولي رئاسة هيئة الاستثمار إن أراد، ولكن قبوله ثم الاستقالة كان طعنة وضربة موجعة للحكومة.
بعد ساعات كانت استقالة القطامين المطولة مسربة ومنشورة في بعض المواقع الإلكترونية، وحين قرأتها لم أقتنع بالمسوغات، وبأنه تعرض للخذلان، وأنه ضحية للانقلاب عليه.
فالوزير قطامين يقر باستقالته بأن ملف التشغيل انتهى بوزارة العمل، بعد أن خفضت ميزانية برنامج خدمة وطن لمليون دينار من 10 ملايين، وكان واضحا أنه يشكو عدم اكتراث الحكومة بملف الاستثمار، والسؤال بما أنه كان يعرف كل ذلك، لماذا لم يستقل حينها، ويقلب الطاولة في وجه الحكومة، ويكاشف جمهوره العريض على منصات التواصل الاجتماعي بهذه الحقائق، ويظل بعيونهم “البطل” والمنقذ الملهم؟
حين اختار رئيس الحكومة القطامين وزيرا قيل حينها إنه يريد توظيف واستثمار نجوميته وشعبيته التي حظي بها عبر فيديوهاته لخدمة الحكومة، ولكن القطامين اتهم الرئيس بالانقلاب عليه و”الانحراف” عن الاتفاق بينهما، وقفز من المركب
بـ “طنة ورنة” كما تقول الأمثال الشعبية.
ما كان مثيرا في التعديل وحظي بقدر كبير من الاهتمام والنقاش اختيار المهندس المعماري صخر دودين وزيرا للدولة لشؤون الإعلام، ولاحقا أصبح ناطقا رسميا باسم الحكومة.
نقطة النقاش الأولى سؤال لماذا يختار وزير للإعلام من خارج الوسط الصحفي؟ والجواب تاريخيا في الأردن يحدث ذلك ويتكرر، وحين تعود بالذاكرة للعقود الماضية سيكتشف هذا الأمر بسهولة ويسر، فالعديد من الوزراء تعاقبوا على «وزارة الإعلام» -رغم إلغائها- وكانوا من خارج دائرة الاحتراف المهني.
وللإنصاف والحقيقة أيضا فإن بعض الوزراء من الوسط الإعلامي كانوا مخيبين للآمال، وعملوا ضد مصالح الصحفيين والصحفيات، وكان أداؤهم ضعيفا، وفي الاتجاه الآخر فإن بعض من جاءوا من خارج علبة الصحافة – وهذا ليس تعميما- كانوا أكثر تميزا، واثبتوا جدارة في موقعهم، وبنوا جسورا من الثقة والتفاهم مع الإعلاميين والإعلاميات.
صخر دودين ليس محميا من النقد والمساءلة، لكن النيل منه قبل أن يبدأ إجحاف، فهناك وزراء كثر في الحكومة تقلدوا حقائب وزارية خارج اختصاصهم ولم يتعرضوا لهذا الهجوم المنظم والكاسح.
تابعت الوزير دودين في مقابلته الأولى على صوت المملكة مع الزميل عامر الرجوب ووجدت أن لديه “كاريزما” خاصة، ويملك خطابا متماسكا، وبديهية حاضرة، وقدرة على الحوار وتمرير المعلومات والمواقف، والأهم أنه كان ليس ضعيفا مرتبكا متلعثما.
وهذا يقتضي أن نسأل: ماذا نريد من وزيرا الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة؟
باعتقادي، نريده أن يوصل المعلومات للإعلام والجمهور أولا بأول، وأن يكون قادرا على إبلاغنا بوضوح بماذا تفكر الحكومة، وماذا تريد؟، وأن يكون منفتحا على وسائل الإعلام جميعها بإنصاف وعدالة، وهذا ما فعله دودين في أول أيامه كما أبلغني زملاء وزميلات.
أخطأ الوزير دودين حين تحدث عن “دحرجة الرؤوس” عقابا لمن يسربون المعلومات والوثائق، فالأمر لا يستحق كل هذا الغضب، فالمسطرة التي تحكم المساءلة هي القانون وسيادته على الجميع، والمبالغة واستخدام تعابير خارج السياق الحقوقي المألوف مقلقة، وقد تذهب بالتفسيرات حدودا أبعد من البلاغات اللغوية.
أخطأ الوزير، لكنه امتلك جرأة وشجاعة الاعتذار، وما ننتظره من الوزير أن يقدم مبادرات خلاقة تسهم في إحداث اختراقات في المشهد الإعلامي الصعب، فهو يعرف أننا نعيش تراجعا لافتا للحريات، والتشريعات والسياسات والممارسات مجحفة ومقيدة للإعلام، هذا عدا عن حال الصحفيين والصحفيات الذين يلهثون بصعوبة وراء رغيف الخبز، ومؤسسات إعلامية على شفا الإغلاق.
حافظ الرئيس الخصاونة على فريقه الوزاري الذي سيستمر في مواجهة الكارثة الصحية والاقتصادية، وعززه بانضمام وزير الداخلية مازن الفراية الذي كان له دور بارز في قيادة المواجهة مع جائحة كورونا حين كان نائبا لرئيس المركز الوطني للأمن وإدارة الازمات.
انتهى التعديل الوزاري وانقشع غباره، وبانتظار أن نقطف نتائج تخرجنا من أزمة غير مسبوقة بتاريخ الأردن.