الثناء على الجهود التي تُبذل لجلب لقاحات الوقاية من “كوفيد19” وإيصالها إلى أكبر عدد من الأردنيين شأن مفروغ منه. ليس من السهل الحصول على اللقاحات وإيجاد الآليات لتوزيعها بعدالة وكفاءة في سياق التنافس العالمي على اللقاحات النادرة. وفي شأن إعطاء اللقاحات للمواطنين، كتبوا في الغرب في وقت مبكر، أيام كانت اللقاحات في مراحل التجريب، منبِّهين إلى ضرورة تأهيل الكوادر الطبية المؤهلة لإعطاء اللقاح، وترتيب المراكز والآليات. ما أريد أن أسرده في هذه المداخلة، هو مشاهداتي الشخصية لعملية إعطاء اللقاح في مكانين مختلفين. والغاية هي تسليط ضوء صغير على بعض الأمور التي يمكن تلافيها هنا أو تعزيزها هناك، وهي في المتناول.
زرتُ مركزين لإعطاء اللقاحات في عمان في يوم واحد، زرت الأول مرافقا، والآخر لتلقي جرعة اللقاح. وكنتُ قد سمعت، مثل غيري، ملاحظات من أناس زاروا مكانين أو أكثر لأسباب مختلفة، وذكروا انطباعاتهم عنها أيضاً. وتكونت فكرة عن المراكز، ومعها ندم صغير على اختيار مركز غير موفق لدى التسجيل على منصة إعطاء اللقاحات، أو فرح صغير بالتوفيق غير المتوقع.
المكان الأول لإعطاء اللقحات، الذي زرته مُرافقاً، هو مركز صحي في أحد الأحياء. والملاحظة الأولى هو أن العثور على مكان لركن السيارة مهمة عسيرة. وتبين في الداخل أن الكثير من المرتادين أغلقوا على سيارات الآخرين، وجزءاً من الشارع الرئيسي –بل وأغلق أحدهم أحد مداخل المركز نفسها وبحثوا عنه طويلاً. ثم تبين أن في المدخل مكانا لفحص المشتبه في إصابتهم بكورونا. وبذلك لا بد أن يختلط الذاهب لتلقي المطعوم بالذاهب لفحص كورونا. وسيسألونك عند المدخل إن كنت قادماً للفحص أم الحقنة ويوجهونك.
في الداخل عدد كبير من المنتظرين في قاعة مغلقة. وعندما تذهب لتسليم هويتك للشرطي، حتى تحجز دورك، لا بد أن تمر برواق مكتظ حقاً بالجالسين والواقفين، وتزاحم قليلاً حتى تصل إليه. وبعد ذلك، تكتشف أنك لا تستطيع أن تبتعد قليلاً لتقف في قاعة المدخل الصغيرة التي بلا مقاعد، أو في الفناء الخارجي المفتوح عند خيمة فحص كورونا. إذا ابتعدت، فإنك لن تسمع الأسماء التي ينادون عليها من دون مكبر صوت يوصله إلى هذه الأماكن. ولا بد أن تكون قريباً، في الزحام، حتى لا يذهب دورك. ولم تكن فترة الانتظار عشر دقائق، وإنما أكثر من ساعة كاملة.
تبين أن موعد تلقي الجرعة، المحدد بالساعة والدقيقة، لا يعني شيئاً. إنك تذهب في أي وقت، وتسلم هويتك وتنتظر دورك. وبذلك يحدث الاكتظاظ أحياناً وبعض التداعيات. مثلاً، تشاجر مراجعان مع الذي ينادي على الأسماء وطلبا مقابلة مدير المركز، لأنهما اشتبها بأنه أدخل أناساً إلى غرفة تلقي المطعوم بمجرد وصولهم بلا مراعاة للدور. وتذرع بأنهم مراجعون لعيادة الطوارئ. وإذا كانت العيادة تعمل حقاً والمرضى يختلطون بالقادمين لتلقي اللقاح، فهي مشكلة. والأغلب أنه لم يكن صادقاً. وفي النهاية، كان الخروج من المكان مدعاة للراحة، سواء للاستراحة من الوقوف الطويل على الأقدام، أو الخطر المحدق من التقاط العدوى في الزحام الشديد.
من المفارقات أن هذا هو المركز الذي كنتُ قد حددته لتلقي الجرعة لدى التسجيل على المنصة، لكنهم حددوا لي مركزاً آخر تبين أنه أفضل بما لا يقاس. كانت هذه ضربة حظ موفقة، لكن السؤال يبقى عن جدوى تخييرك ما دام تحديد المركز ليس خيارك في نهاية المطاف. والمكان الثاني، الذي تلقيت الجرعة فيه، قريب من الكمال في الحقيقة.
هناك أماكن فسيحة لاصطفاف السيارات بلا مضايقة، حتى أمام المدخل مباشرة. وتستقبلك فتيات بزي مميز لأخذ هويتك مع احترام ظاهر. ولا تكاد تلتقي أحدا في مدخل القاعات الفسيحة النظيفة الرائعة. وتجد مكانا بسهولة للجلوس مع مراعاة التباعد. وتسمع الأسماء بسهولة من دون مكبرات صوت. وبعد أخذ الجرعة تجد قاعة كبيرة شبه فارغة لتنتظر عشر دقائق للاطمئنان على أمورك. وتجد أن العملية استغرقت وقتاً قصيراً وتغادر مغتبطاً.
فكّرت، وأنا في المكان الأول، بتدابير بسيطة تجعله مناسباً وأقل خطراً، لا يتسع المجال لسردها. وأتصور أن القاعات الفسيحة –قاعات الرياضة والاحتفالات- أفضل من المراكز الصحية بهذه المواصفات. ويمكن –وينبغي- إبعاد أماكن فحص كورونا عن أماكن التطعيم، وإصلاح العيوب التي لا يحتاج إصلاحها إلى كثير خيال.