تخطي عتبة الأقوال

 

في العام 2018، اختار جلالة الملك يوم عيد ميلاده ليتحدث ويتحاور مع طلبة كلية الأمير الحسين بن عبدالله للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية. وقتها، بعث الملك برسائل على مختلف المستويات، الأبرز فيها كان قوله إن “الوزير أو المسؤول اللي مش على مستوى يروح اليوم”.
بعد مرور ثلاثة أعوام على هذا التصريح الذي من شأن تطبيقه أن يساهم في إعادة الثقة بين الشارع ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها الحكومة صاحبة الولاية في مراقبة أداء أي مسؤول ومحاسبته على منجز كان يجب أن يتحقق، لم يعلن عن حالة واحدة طبق فيها توجيه الملك رغم أهميته. المعنيون بتنفيذ التوجيه لم يضعوا معايير ولم يتخذوا خطوات بهذا الاتجاه.
على مر السنوات يتحدث الملك عن ضرورة تطوير الأداء المؤسسي والعمل الإداري في الدولة. رئيس مجلس النواب عبدالمنعم العودات فسر سبب عدم القدرة على التقدم خطوة للأمام بقوله إن ” الأردن يعاني، منذ حوالي 5 سنوات، من ظاهرة الأيادي المرتجفة، حيث لا يوجد شخص يأخذ قرارا، وهذه مشكلة خطيرة جدا”.
العودات أصاب بقوله هذا. صحيح أنه كان يتحدث عن الجانب الاستثماري. لكن من يفشل في اتخاذ قرار في هذا الشق، حتما لن تكون فرص نجاحه كبيرة في شق آخر، لأن الأمر يتعلق بمنظومة عمل متكاملة.
في الثاني من الشهر الحالي، أكد رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة أمام الملك خلال لقاء جلالته شخصيات من محافظات عدة، ” ضرورة مواصلة تطوير عمل القطاع الإداري، لتحسين الأداء ومعالجة بعض مواطن القصور التي طالته”. كل رؤساء الوزراء قالوا الكلام نفسه!
أما رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، فقال منذ أيام خلال جلسة حوارية إنه من الضروري تطوير عمل الجهاز الحكومي ورفع كفاءة موظفي الدولة وانتاجيتهم، مشيرا إلى أهمية إعادة هيكلة هذا القطاع بما يمنحه الحيوية والرشاقة.
إذاً، هناك توجيه ملكي واضح وصريح يعطي الجهات المعنية جميع الصلاحيات لتنفيذها، مع تأكيد تام بأهميته من رئيس السلطة التنفيذية، وتشديد رئيسي مجلسي الأعيان والنواب على الأمر ذاته. إذا أين تكمن مشكلة البدء بهدف تحقيق الغاية؟
الأمر لا يتوقف عند الإصلاح الإداري فقط، فالمرحلة الحالية تشهد تأكيدات على عدة أولويات. الإصلاح السياسي، التركيز على الزراعات الحديثة، تطوير الصناعات الطبية والدوائية، العمل على أن يكون الأردن مركزا إقليميا للأمن الغذائي. ماذا فعلنا في جميع هذه القضايا؟ هل تم وضع خطط ما؟ هل تم تعديل وتطوير المنظومة التشريعية الخاصة بها؟ هل تم إعداد دراسات لأولوياتنا؟ هل وقفنا عند إمكانيات التطبيق والتحديات؟
كل هذه الأمور لم يحدث منها شيء، حتى أننا لم نعقد جلسة عصف ذهني مع أصحاب اختصاص من خبراء وعاملين في الميدان، ولا بدأنا بأولى خطواتنا للبحث عن مستثمرين، كما لم نجرِ أي دراسات للموازنات التقريبية التي سنحتاجها، فكل ما سمعناه كان مجرد تصريحات تحاول ركوب الموجة لا أكثر.
لا أريد الجزم بأنه لا توجد لدى الجهات المعنية إجابة واحدة على جميع الأسئلة الواردة هنا، لكن ما أتخوف منه أن نكون بالفعل ما نزال مشتتين، ولسنا قادرين على أخذ زمام المبادرة على أرض الواقع. كل ما نتطلع إليه أن نتخطى الأقوال نحو الفعل الحقيقي.

أخبار أخرى