تهدف خطة التحفيز الاقتصادي والإصلاح المالي المقترحة إلى التعجيل بتعافي الاقتصاد الوطني وإعادته إلى مسار النمو، اعتمادا على اتخاذ مجموعة من الإجراءات وتطبيق عدد من الآليات التي تسهم في تحقيق هذا الهدف.
فقد تحمل المواطن خلال العام 2020 وما زال آثار جائحة الكورونا والإغلاقات الكلية أو الجزئية، كما تحمل أعباءً مالية كبيرة، ومنها: –
1 – إلغاء الزيادات على رواتب العاملين في الجهازين المدني والعسكري.
2 – تخفيض رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة
50 % في مرحلة الإغلاق الكلي.
3 – تخفيض رواتب العاملين عن بعد بنسبة 70 %.
4 – توقف دخل المؤسسات الفردية وخاصة المهنيين ومؤسسات السياحة والخدمات الأخرى.
كما تحمل القطاع الخاص أعباء مالية اثقلت كاهله، ومنها:
1 – إلزام القطاع الخاص بدفع رواتب العاملين لديه بالرغم من توقفه عن العمل جزئياً أو كلياً.
2 – إلزام القطاع الخاص بدفع بدلات الإيجار على المحلات التجارية والمكاتب.. إلخ.
3 – استمرار القطاع الخاص بتحمل نفقاته التشغيلية الثابتة.
4 – استمرار احتساب الفوائد على قروض القطاع الخاص التشغيلية والرأسمالية.
وقد اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات للتخفيف من الآثار السلبية لجائحة كورونا لكن هذه الإجراءات في اعتقادي على أهميتها لم تكن كافية لإطلاق مرحلة تحفيز الاقتصاد وبدء عملية التعافي. لذلك فإن أي خطة لتحفيز الاقتصاد يجب أن تتضمن سياسات وإجراءات وآليات تستهدف تعويض المتضررين وفي الوقت ذاته تعالج بعض التشوهات في المالية العامة حتى يتمكن الاقتصاد الوطني من العودة إلى مسار النمو.
أولاً – في مجال دعم المواطنين وزيادة قدرتهم الشرائية: –
1 – تقديم قرض بقيمة 250 دينارا إلى جميع العاملين والمتقاعدين من الجهازين المدني والعسكري يسدد بأقساط شهرية قيمتها 5 دنانير على أن يبدأ التسديد اعتباراً من1/31/ 2022، على أن تتحمل الحكومة فوائد هذه القروض.
يقدر عدد الذين سيستفيدون من هذا القرض بنحو 650 ألفا أي أن المبالغ المطلوبة لهذا الاقتراح تصل إلى 650000×250= 162,500,000 دينار أردني بسعر فائدة يبلغ 6 % أي أن تكلفة الفائدة البنكية لهذا المقترح (6 % × 162,500,000) تصل إلى 9,750,000 في العام الأول وتتناقص تدريجياً مع بدء التسديد للقروض.
2 – تقديم قرض للعاملين في القطاع الخاص والمشتركين في الضمان والبالغ عددهم حول 700,000 مشترك بقيمة القرض ذاته وشروطه الواردة في البند (1) أعلاه.
المبالغ المطلوبة لهذا المقترح:
700,000×250 = 175,000,000 دينار.
وتكلفته على الحكومة لتحملها الفوائد المترتبة على هذه القروض
6 % × 175,000,000 = 10,500,000 دينار تتناقص تدريجياً مع بدء تسديد الأقساط.
3 – تأجيل تسديد فواتير الماء والكهرباء المستحقة على المواطنين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ألف دينار حتى بداية العام 2022 ويتم تقسيط المبالغ المستحقة على دفعات متساوية لمدة 24 شهراً.
4 – إعادة جدولة قروض الإسكان على المواطنين لدى البنوك ومؤسسات التمويل بتمديد المدة لثلاث سنوات إضافية بهدف تخفيض الأقساط الشهرية. وكذلك إعادة جدولة قروض السيارات بتمديدها لمدة سنة إضافية للغاية ذاتها، على أن لا تقوم البنوك بتحميل المقترضين أي فوائد إعادة هيكلة أو رسوم إضافية.
ستوفر هذه الإجراءات بمجموعها مبالغ مالية إضافية للمواطنين تساعدهم على تخطي الآثار السلبية لجائحة كورونا وفي الوقت ذاته توسع من قدرتهم الشرائية التي ستنعكس إيجابياً على الإيرادات الضريبية. ولأجل تسهيل التمويل لهذا الدعم المقترح يمكن إنشاء صندوق تسليف يقوم على تأسسيه صندوق استثمار أموال الضمان برأسمال 300 مليون دينار يقوم بالتسليف للمستحقين من دون فائدة وتتحمل الحكومة الفوائد المترتبة على هذه القروض بأن تضمن عائد 6 % لأموال الصندوق وهي قيمة العائد ذاتها على استثمارات أموال الضمان في السندات الحكومية.
وسيكون تسديد هذه القروض بنسبة 100 % لأن تغطية الدفعات الشهرية ستتم على رواتب العاملين أو من تقاعدهم.
ثانياً: في مجال دعم مؤسسات القطاع الخاص:
من الطبيعي أن يستثنى من هذا الدعم البنوك والشركات النقدية والشركات الكبرى والشركات التي لم تتضرر من الإغلاقات الكلية أو الجزئية، أما بالنسبة لباقي شركات ومؤسسات القطاع الخاص فيكون دعمها عبر الوسائل التالية:
1 – إيجاد نافذة تمويلية في البنك المركزي بقيمة 500 مليون دينار.
2 – تمنح قروض دون فوائد لمؤسسات القطاع الخاص المتضررة وتتحمل الحكومة فوائد هذه القروض.
3 – تمنح القروض لتغطيه النفقات التشغيلية الثابتة، رواتب وأجور، إلى المقترض بما لا يتجاوز مجمل نفقات ستة أشهر.
تسدد القروض على دفعات شهرية تبدأ من 1/31/ 2022 ولمدة 3 سنوات.
تستمر الحكومة في منح الإعفاءات والتخفيضات على الرسوم والضرائب التي أقرتها لهذه المؤسسات قبل بدء العمل بهذه الخطة.
ثالثاً: معالجة التشوهات المالية التي أدت إلى تفاقم عجز الموازنة وارتفاع المديونية.
إن عدم معالجة هذه التشوهات سيزيد في مديونية الأردن إلى أرقام غير مسبوقة وستؤثر في النتيجة سلباً على الاقتصاد الوطني والمواطنين ونوعية حياتهم ومستوى معيشتهم.
1 – دعم الجامعات الذي يصل إلى 75 مليون دينار سنوياً:
أ – تأكيد تخفيض الجامعات للانفاق بحيث تغطي إيراداتهم الذاتية نفقاتهم التشغيلية على أن يتم تنفيذ هذه الخطة في مدة أقصاها 3 سنوات.
ب – استخدام الوفر من مبالغ دعم الجامعات لإنشاء صندوق يسمى صندوق تمويل المشاريع الرأسمالية للجامعات الأردنية بحيث يقتصر التمويل على المشاريع ذات الأولوية واللازمة لتنفيذ استراتيجية الموارد البشرية.
2 – تكلفة المعالجات الطبية التي تنفقها الحكومة سنوياً على علاج المواطنين في المستشفيات الخاصة والجامعية بسبب عدم توفير أطباء الاختصاص في معظم المستشفيات الحكومية؛ لذلك هناك حاجة ماسة لمعالجة هذا الخلل عبر تطبيق نظام العاملين في الخدمات الطبية الملكية على العاملين في مستشفيات وزارة الصحة، فقد أثبتت أنظمة الخدمات الطبية قدرتها على استقطاب أطباء الاختصاص والاحتفاظ بهم وهذا سيوفر مبالغ كبيرة من هذا البند الذي يتم تخصيص مبلغ 75 مليون له سنوياً وينفق فعلاً ما يقارب 250 مليون دينار.
3 – تعديل قانون تشجيع الاستثمار بحيث يتم تحفيز الاستثمار من خلال الاستثمار التعاقدي بين المستثمر والحكومة، ويبين هذا العقد حقوق كل طرف والتزاماته والحد من الإعفاءات الجمركية والضريبية التي تقدم لتشجيع المستثمرين لأنها أثبتت بالأرقام عدم جدواها.
4 – تخفيض عدد شرائح التعرفة الجمركية وضريبة المبيعات إلى ثلاث شرائح في حدها الأعلى لتبسيط الإجراءات والحد من التهرب، وهناك دراسة موضوعة حول هذا الأمر بحاجة إلى تطبيق.
5 – تطبيق الشريحة الجمركية أو الضريبية ذاتها على مستوردات المملكة واعتماد مبدأ مدد الضريبة للسلع والخدمات المستهلكة في المناطق التنموية والخاصة والتنموية الخاصة.
6 – تطبيق مبدأ إيصال الدعم للمستحقين واستبدال دعم السلع بالدعم النقدي على أن يطبق هذان المبدآن على جميع السلع والخدمات، فالأردن بلد التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية لم يعد في مقدوره دعم الغني والفقير والأردني وغير الأردني. كما أن تكلفة هذا الدعم أصحبت كبيرة ولا يمكن الاستمرار بها لأنها أدت إلى تشوهات في تعرفة الخدمات وأسعار السلع بحيث أصبحت تعاقب المنتج والمستحق لصالح غير المنتج وغير المستحق.
رابعاً: في مجال الطاقة:
لا بد من التذكير هنا بأن استراتيجية الطاقة اعتمدت تقسيم القطاع الى توليد ونقل وتوزيع واأعطت التوليد والتوزيع للقطاع الخاص مع ضمان نسبة ربح لهذه الشركات واحتفظت الحكومة بنقل الطاقة. وأدت هذه الاستراتيجية بسبب ارتفاع تكلفة الوقود وانقطاع الغاز المصري لفترة من الوقت الى تحمل شركة الكهرباء الوطنية المختصة بنقل الطاقة الى خسائر وصلت لأكثر من (7) مليارات دولار. أضف الى ذلك التعاقد على شراء الكهرباء من شركات التوليد بأسعار مرتفعة كما هو الحال بالنسبة لسعر الكهرباء من مشروع الصخر الزيتي بالعطارات والالتزام بشراء إنتاج شركات التوليد الذي يزيد عن استهلاك المملكة من الكهرباء. كما استمرت الحكومة باعتماد تعرفة كهرباء فيها الكثير من التشوهات مما جعل كلفة الطاقة على الاقتصاد الوطني مرتفعة مقارنة مع الدول الاخرى وبالتالي زادت من ضعف تنافسية الاقتصاد الوطني.
لذلك تقترح الخطة إنشاء صندوق للاستثمار في الطاقة برأسمال مقداره مليار دينار أردني يسهم فيه صندوق استثمار أموال الضمان والبنوك وشركة الاستثمارات الحكومية وتطرح أسهمه للاكتتاب العام. ويقوم الصندوق بعمله ضمن المحددات التالية:
1 – تضمن الحكومة نسبة ربح للصندوق تصل 5 % سنوياً.
2 – يشتري الصندوق اتفاقيات شركات توليد الكهرباء القائمة مع الحكومة حالياً وبذلك تعود ملكية توليد الكهرباء للحكومة.
3 – يعيد الصندوق هيكلة هذه الشركات ويخفض سعر بيع الكهرباء للشركة الوطنية بأقل من الأسعار الحالية مع ضمان نسبة ربح بقيمة 5 % للصندوق.
4 – تعيد الحكومة النظر بتعرفة الكهرباء والشرائح المعتمدة لتخفيض عددها وتطويرها لتصبح مشجعة للإنتاج وداعمة للمستحق.
خامساً: إدارة الاقتصاد الوطني
لعل من أهم المشاكل التي تواجهنا في التعامل مع قضايانا الاقتصادية والمالية غياب الجهة المعنية بوضع السياسة الاقتصادية للأردن بحيث تكون هذه السياسة منسجمة مع الدورة الاقتصادية وتسهم في تحقيق نمو وتنمية اقتصادية واجتماعية.
لذلك فإن الخطة هذه تدعو إلى إنشاء “المجلس الاقتصادي الوطني” مؤسسة مستقلة تعمل على وضع السياسة الاقتصادية للأردن بغرض التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والاستثمارية؛ لأجل أن تكون هذه السياسات اقتصادية بامتياز وتهدف إلى تحقيق مؤشرات اقتصادية إيجابية من حيث النمو وتخفيض العجز في الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي والمديونية كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي وزيادة معدلات النمو لتصل إلى معدلات تفوق معدل الزيادة في عدد السكان فيتحقق بذلك تحسين مستوى معيشة المواطنين ونوعية حياتهم ونبدأ مرحلة جديدة من التشغيل المنتج لمعالجة أزمة ارتفاع نسب البطالة والفقر على أن يكون من أهداف هذه السياسة تحقيق تنمية مستدامة في جميع أنحاء المملكة. ما نشهده الآن يشير إلى أن السياسات الضريبية والنقدية والمالية والاستثمارية باتت تخلق فجوات بين الغني والفقير تزداد عاماً بعد عام وهذا في رأيي يخالف مبادئ الدولة الأردنية في العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي وتوجيهات جلالة الملك المستمرة بأن يشعر المواطن في مكان بفوائد التنمية.
سادساً: تبسيط الإجراءات
يشكو المواطن والقطاع الخاص الأردني من الإجراءات البيروقراطية والتعقيدات الإدارية التي تواجهه عند مراجعة الدوائر الحكومية ذات العلاقة، ويشعر المواطن أن الموظف العام أصبح يتعامل مع المراجعين بأسلوب فوقي ويؤخر المعاملات أو يركنها إما لغاية في نفسه أو لعدم فهمه للإجراء وروح القانون التي وضعت الإجراءات لتطبيق أحكامه أو لعدم رغبته في اتخاذ القرار بسبب ما يتعرض له الموظف العام وأصحاب الأعمال من تشويه لسمعتهم أو اتهامهم بالفساد والمحسوبية لمجرد القيام بعملهم.
كذلك فإن اجراءات التحصيل مثلاً تختلف من دائرة إلى أخرى وهناك أمثلة كثيرة على ذلك من خلال المقارنات بين دائرة الضريبة ودائرة الجمارك، ومتطلبات أمانة عمان ووزارة الإدارة المحلية وهكذا.
وتزداد الأمور تعقيداً عندما يتعلق القرار المطلوب من الجهات الرسمية بأكثر من مرجعية حكومية، فتجد عندها غياب التنسيق فتأخذ المراسلات بين الدوائر المعنية وقتاً طويلاً قبل الحصول على رد حول القضايا مثار السؤال والطلب.
إن هذا الواقع ليس جديداً، ويتطلب إجراءات حكومية إدارية سريعة حاسمة وحازمة لمعالجته، فعلى سبيل المثال ماذا يمنع من عقد اجتماعات تنسيقية دورية بين الجهات المتعددة يكون الهدف منها الوصول إلى تنسيب مشترك من الجهات المعنية لمعالجة قضايا المواطنين والقطاع الخاص.
اعتقد أن خطة التحفيز تتطلب قيام وزارة تطوير الأداء العام ووزارة الاقتصاد الرقمي والوزارة المعنية بدراسة أكثر الإجراءات استخداماً من قبل المواطنين والقطاع الخاص ووضع الحلول السريعة لتذليل العقبات الإدارية التي تواجه تبسيط الاجراءات وسرعة انجاز معاملات المواطنين بحيث يتم وضع توقيت زمني لإنجاز المعاملات تحت طائلة المسؤولية.
*عضو مجلس الأعيان