ليس من السهل أن تحصل دولة مرتبطة باتفاق مع صندوق النقد الدوليّ ولديها وضع اقتصاديّ صعب على مراجعة إيجابية من صندوق النقد الدوليّ ضمن برنامجها، لكن الأردن حصل عليها رغم كُلّ التحديات، فما الذي حصل مع المملكة لكي تنجح في اختبار المراجعة الأخيرة؟
الحكومة، ممثلة بوازرة الماليّة تحديداً، أشرفت على تنفيذ جملة كبيرة من الإصلاحات المتفق عليها ضمن برنامج التسهيلات مع الصندوق الذي كان قد أُقرّ للأردن اتفاقا تصحيحيا في أواخر شهر آذار الماضي، أي في ذروة انتشار وباء كورونا.
مسيرة عمليات تنفيذ الاتفاق مع الصندوق شابها تحديات نتيجة الانعكاسات الخطيرة التي تركتها الجائحة على النشاط الاقتصاديّ الذي توقفت عملياته الإنتاجيّة والتشغيليّة لحوالي ثلاثة أشهر متتالية نتيجة الحظر والإغلاق الشامل بموجب أوامر الدفاع، الحظر ضرب عمليات التحصيل الضريبيّ والجمركيّ، وتوقفت حركة الكثير من فعاليات القطاع الخاص، والمحصلة تراجع بالإيرادات غير الضريبيّة بحوالي المليار دينار عن المقدّر في ميزانية 2020، ما رفع من مشهد الأعباء الماليّة على الخزينة التي تلقت ضربات موجعة في إيراداتها مقابل نموّ غير مسبوق في نفقاتها الطارئة.
تحركات وزارة الماليّة كانت سريعة لمواجهة مأزق الخزينة، فاتخذت خطوات جريئة بضبط كبير للنفقات المختلفة وتأجيل بعض المشاريع، وإيقاف العلاوات والزيادات اعتبارا من شهر أيار، مقابل إجراء استثنائي للمجهود الصحي في مواجهة الوباء، وتقديم حزمة جديدة من الأمن الاجتماعيّ للمتضررين من كورونا.
لكن المفاجأة الإيجابيّة أن الجهاز الضريبيّ للدولة استمر في العمل والتحصيل وإجراء التسويات ومكافحة التهرّب الضريبيّ ومعالجة التشوهات التاريخية بكفاءة عالية، مع خطوات تنفيذية لترجمة القانون الجديد من خلال توسعة قاعدة المكلفين وتعزيز منعة الجهاز في مواجهة كُلّ أشكال التهرّب والتجنب الضريبيّ، ما انعكس إيجابا على تحصيلات من ضريبة الدخل والمبيعات خلال فترة الجائحة وأثار إعجاب وفد الصندوق أثناء المراجعة الأخيرة التي رأى فيها نموّا إيجابيا عاليا في الإيرادات الضريبيّة على غير المتوقع، ما جعل الصندوق يتأكد تماما أن الأردن يسير قدما بتنفيذ الإصلاحات وهو عازم عليها، وغير ذلك من تراجع سببه الظروف الطارئة التي خلّفتها الجائحة، وهو ما جعل المراجعة الأولى تسير بشكل إيجابي دون أيّ مشاكل.
وزارة الماليّة بسلوكها المرن في التعامل مع أزمة كورونا وترجمة هذه المرونة في مشروع قانون موازنة 2021، وزيادة دعمها للأمن الاجتماعيّ ودعم القطاع الصحيّ مع مواصلة الإصلاح الهيكلي للاقتصاد الوطنيّ وتأكيد معالجة الاختلالات الماليّة المختلفة خاصة في العملية الضريبيّة والجمركيّة، بعثت برسائل إيجابيّة خلقت انطباعاً سليماً عند المانحين والمؤسسات العالميّة المختلفة والتي انعكست في تثبيت التصنيف الائتماني للمملكة ضمن مستوياتها المستقرة.
المراجعة الأخيرة للصندوق فيها دعم واضح للاقتصاد الوطنيّ والسياسات المتبعة، وهي أيضاً دعم سياسي للجهود التي تبذلها المملكة ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، وخارجيا الصندوق يوجّه رسالة للمانحين بضرورة تقديم المساعدات المختلفة للأردن الذي يعد من أكبر دول العالم في استضافة اللاجئين.
مراجعة الصندوق الأخيرة ستوفر مساحة ماليّة خارجيّة جديدة للحكومة في حال ظهور أيّ مستجدات طارئة تتطلب اتفاقا استثنائيّا.
إقرار المراجعة الأولى هو شكل من أشكال الدعم الدوليّ للاقتصاد الوطنيّ الذي لا يمكن أن يستقر بالشكل المطلوب دون هذا الدعم، وهذه هي الحقيقة التي يجب معرفتها في الوقت الراهن مع ظهور أصوات بأن البرنامج مع الصندوق لا يخدم الاقتصاد، وهو أمر غير صحيح أبداً على الواقع الذي يتطلب من الأردن تعزيز علاقاته الدوليّة لدعم استقراره الاقتصاديّ.