حالة حقوق الإنسان في الأردن

احتفل الاردن مثل كل دول العالم بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف في العاشر من كانون الاول(ديسمبر)، ومثل كل الكرة الارضية عاش الاردن العام 2020 تحت وطأة وكابوس جائحة كورونا التي غيرت الحياة، وفرضت طقوسا مختلفة، وتدخلت الحكومات للحد من الكثير من الحقوق والحريات تحت ذريعة حماية الصحة والسلامة العامة.
لا جدال بأن الصحة والسلامة العامة تتيح فرض قيود محددة لحمايتها، والإجراءات التي لجأ لها الأردن قد تكون اتخذت بأشكال مختلفة في بعض دول العالم.
ربما يكون السؤال الأهم الذي يجب أن يناقش في الاردن، هو: هل حقوق الانسان جوهر نهج إدارة الدولة؟
وهذا يعني حين تفكر الحكومات ايا كانت باتخاذ قراراتها سواء في جائحة كورونا أو في غيرها هل تراعي المعايير المتعلقة بالحقوق أم أنها خارج الحسبة في التشريعات والسياسات والممارسات، وربما ينظر لها بشكل هامشي حين تثار ضجة لتجاهلها او العصف بها؟
لنتذكر أن الملك حين وافق على استخدام قانون الدفاع نبه الحكومة لأهمية ان لا تمس الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للناس، ولهذا وبعد تسعة شهور نتساءل: هل التزمت الحكومة بذلك؟
القواعد الحقوقية للتدابير الاستثنائية لحماية الصحة العامة يجب أن تستند لإطار قانوني وشرعي، وان تكون ضرورية ويجري تطبيقها بشكل تناسبي وتبنى على ادلة علمية، ولا تطبق بشكل تعسفي او تمييزي، وأثرها الممتد محدد، وتحترم قبل كل شيء الكرامة الانسانية.
هذا هو السياق النظري الذي تقيم فيه التدابير والإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ شهر اذار(مارس) الماضي وحتى الان، وعلى ضوئها يتم مراجعتها ومحاكمتها.
المركز الوطني لحقوق الإنسان وهيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني “همم” نظما ملتقى تحت عنوان “حقوق الإنسان في الأردن في ظل جائحة كورونا” على مدار يومين شارك فيه ممثلون عن الحكومة والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني وناشطون حقوقيون.
الملتقى الذي حظي بمشاركة وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة استعرض أثر قانون الدفاع وأوامره في الحقوق السياسية والمدنية بالتركيز على حرية التعبير، والتجمع السلمي، والوصول للعدالة، وفضاء المجتمع المدني، كما بحث في التداعيات التي خلفتها الجائحة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الصحة والتعليم والعمل، ومدى مراعاة القرارات للحساسيات الجندرية.
توقف الملتقى ايضا عند مراعاة الحكومة في توجهاتها للفئات الأكثر عرضة للخطر كالأطفال وذوي الاعاقة، وبحث في التفصيل ما تعرض له العمال المهاجرون واللاجئون خلال ازمة وباء كورونا.
المتفق عليه من المؤسسات الوطنية قبل المجتمع المدني ان الاختلالات الحقوقية تعمقت، وان الجائحة أضعفت منظومة حقوق الانسان، وان الحكومة لم تفكر بمقاربات ونهج حقوقي عند إصدارها لأوامر الدفاع المختلفة.
الشواهد والتفاصيل التي أوردها المتحدثون والمتحدثات في جلسات العمل تستحق من الحكومة ان تتوقف عندها وتراجعها، وعليها ان تتحرك سريعا لإطفاء الحرائق التي أشعلتها الجائحة.
العناوين للأزمات الحقوقية التي خلفتها الجائحة كثيرة، فحين تدقق ترى العنف ضد النساء تزايد، والفقر والبطالة تعمقا، والتعليم في خطر حقيقي، والعلاقات الاسرية تتصدع، والصحة النفسية قنبلة موقوتة لا ينظر لها باهتمام في الحظر والاغلاقات الشاملة، والفئات الاكثر عرضة للخطر كذوي الاعاقة استبعدوا واقضوا خلال الجائحة.
حتى لا نتهم بالشوفينية فإننا نعرف صعوبة الأوضاع التي تمر بها الدولة خلال الازمة، وندرك صعوبة وحساسية الموازنة بين متطلبات الصحة والسلامة والوضع الاقتصادي الصعب، ولكن الجائحة ليست مبررا للتغاضي عن الانتهاكات الحقوقية مهما كانت بسيطة، وفي هذه الظروف الاستثنائية يظهر مدى اهتمام والتزام الدول بكرامة الإنسان وحقوقه، وهذا هو الاختبار.
على الحكومة إشراك مؤسسات المجتمع في إدارة الأزمة ومواجهتها، وان تستمع لصوتها ومطالبها، وان تستفيد من خبراتها، ولا يكفي محاورتها وإدارة الظهر لها بعد ذلك.
اليوم العالمي لحقوق الإنسان فرصة للحكومة في الاردن ان تتحرك أكثر من الاحتفال، فتقدم لنا رؤيتها الحقوقية للمستقبل وجردة حساب للواقع.

أخبار أخرى