صدى الشعب – كتب بهاء الديـن المـعايـطة
حين أكتب، أذكر تلك المعاناة المستمرة التي أصبحت أساسًا رئيسيًا من واقع حياتنا الممتدة منذ سنوات ليست بالقليلة، مما يثبت أننا لا زلنا تلاميذ لا نتقن أي معنى من معاني الحياة الصحيحة.
اليوم أستذكر أننا أصبحنا على قارعة وأبواب الثلاثين ربيعًا من العمر، ونتذكر أننا لا زلنا تلاميذ لا نجيد قراءة المبادئ والمتطلبات الخاصة بالحياة، وأننا لا زلنا نبحث عن المفتاح السحري الذي سيخرجنا من شق النافذة التي أصبحت مغلقة بحكمة يصعب على أحد اختراقها. هل سيأتي اليوم الذي نجد فيه المفتاح الذي سيكون طريق الفرج لكي نبدأ حياتنا من جديد؟ أم سنبقى ننتظر إلى أن يأخذ الله الأرض وما عليها؟
نكتب ونحن على أمل حقيقي أن نبدأ حياة جديدة تخلو من سلبيات الماضي، وأن نرى الإيجابيات وهي تأتي حتى لو لبضعة دقائق، لكي نحيا من جديد، ونعيد رسم صورة المستقبل المفقود. كم تمنيت يومًا ألا نكتب عن معاناة حملها أحد، وكم تمنيت أن تكون حياتنا كما رسمناها من قبل. كم تمنيت أن تعيد الحياة رونقها الحقيقي لمن افتقدها، إلا أن الأمل وحده لم يعد يكفي لنحلق بأحلامنا نحو السماء، بعد أن أصبحت أحلامنا مجرد خيال في عالم يصعب تحقيقه.
نحن على مشارف نهاية ٢٠٢٤ وعلى أبواب سنة جديدة لا نعلم ماذا ستحمل لنا. هل ستكون كما عهدناها وستستمر تلك المعاناة، التي أصبحت العائق الوحيد والرفيق الحقيقي للعائلات بأكملها، أم ستكون سنة تختلف عن ما سبقتها من سنوات؟ سنة تضع لنا مفتاح الفرج على ما تبقى لنا من الحياة وتنقذنا من الواقع الذي أصبح يسيطر علينا دون أن يأخذنا بعين الرأفة.
كل منا لديه معاناة يحملها على مر السنين، ولا يزال البعض يبحث عن الحلول رغم عدم توفرها، والنصف الآخر أصبح يرى الحلول علاجًا لا يأتي إلا بنتائج عكسية تخالف المعتقدات الحقيقية لاستئصال المعاناة. لقد أصبح الكثير منا يطرح ويبحث عن ناصر حقيقي قادر على إيجاد العلاج الحقيقي لتلك المعاناة التي طال الوقت لاستئصالها.
إنني حزين لما يجري اليوم. أفراح وفرحة الأهالي بإنجاز أبنائهم في إكمال متطلباتهم الدراسية، برغم معرفتهم المسبقة بما يسمى بكابوس البطالة وما يحتويه من تكدس المئات من العاطلين عن العمل، بين من يحملون أعلى الشهادات العلمية. إلا أن البطالة كابوس لا يميز بين أي كان، باستثناء فئة قليلة داخل المجتمع لا يعلمون عن كابوس البطالة نهائيًا لوجود الواسطة التي تقيهم من حر البطالة، التي أصبحت الواقع المخيف الذي يهدد جميع البيوت.
الشهادات لم تعد مقياسًا للعمل، إلا أن الواسطة أصبحت أعلى من أن تحمل شهادة مهما كان مضمونها. بين الحين والآخر، نرى كمية الألم الحقيقية ونرى الترتيبات الواضحة والصحيحة لمضمون ما تعمل به الواسطة داخل المجتمع. نرى أن من لا يحمل الشهادة ينافس من يحمل الشهادة، ومن لا يحمل الشهادة مسؤول عن من يحمل الشهادة. أصبح الظلم طبقيًا في هذا الوطن دون أي حسيب أو رقيب.
تثير إعجابي التقارير الدورية لديوان المحاسبة والمرجعية الصحيحة التي تحملها تقاريره. هناك مخالفات يتوجب تصحيحها، إلا أن هذه المخالفات أصبحت تُصوّب من خلال أوهام دون أخذها بعين الاعتبار. من بعض تقاريرها، المسميات الوظيفية لبعض الموظفين، والتي تستهدف تصحيح أوضاع تلك الفئة التي أصبحت تحصل على مسمى وظيفي من الفئة الأولى بسهولة، دون وجود متطلب دراسي حقيقي يخوّلهما لاستلام تلك الوظيفة. إلا أن مقياس الواسطة هو من يستثني تلك الفئة من المتطلبات الأساسية التي يتوجب أن تتوفر في ذلك الموظف.
إن أردنا رفعة الوطن، يجب أن نصحح الأخطاء الحقيقية وأن نرسخ سياسة هيئة الخدمة المدنية، وأن نضعها أولوية حقيقية قادرة على إعادة الحقوق لأصحابها دون استثناء أي كان. نحن جميعًا أردنيون سواسية، ومن الواجب أن يرسخ العدل والمساواة بيننا دون أي تمييز.
وفي أحد الأخبار المحلية المتداولة بين أطياف المجتمع والصادرة عن وزارة التعليم العالي، عن فصل ما يقارب 92 طالبًا من الحاصلين على شهادات الثانوية العامة التركية، وعن كمية الانتقادات التي انقسمت بين مؤيد ومعارض، فإننا جميعًا نؤيد ذلك القرار الحقيقي. إلا أن الحقيقة أيضًا واضحة تجاه شهادات الدراسات العليا من الكثير من الجامعات غير الأردنية، حيث يحصلون على شهادات ماجستير ودكتوراه دون أي جهود مبذولة مقابل الإقامة ودفع المال. وكذلك شهادات البكالوريوس من الخارج التي أصبحت تباع عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. إذا أردنا أن نفتح الملفات، يجب أن تفتح ملفات الجميع وليس ملفًا عن آخر.
نسأل الله أن يكون بعون الجميع..