ماجد توبه
فيما تشتد حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، ويتزايد الضغط العالمي، وإن كان بصورة غير مؤثرة حتى الآن، باتجاه وقفها، تنحو الأوضاع العسكرية على الجبهة الشمالية في الحدود مع لبنان نحو التصعيد أكثر، وتشتد ضراوة القصف المتبادل بين جيش الاحتلال وحزب الله اللبناني وسط تزايد التهديدات الإسرائيلية بقصف وتدمير لبنان على غرار غزة.
حتى يومين مضيا كانت كل المؤشرات والتصريحات الغربية واللبنانية تستبعد رغبة المقاومة اللبنانية بدخول الحرب مع العدو الإسرائيلي والاكتفاء بالاشتباكات والتصعيد المحدود ومحاولة تخفيف الضغط عن غزة، لاسباب عديدة لها علاقة أساسا بعدم تأييد الحاضنة اللبنانية للمقاومة للدخول بحرب واسعة مع اسرائيل، في ظل الحصار الاقتصادي القاسي للبنان منذ سنوات وانهياره اقتصاديا وسياسيا وامنيا وضرب الليرة اللبنانية لتصل للحضيض، اي ان تبعات قرار حزب الله بالحرب لا تتوفر له حاضنة شعبية داخلية تحمله وتدافع عنه.
وقد أدى اندفاع الولايات المتحدة باساطيلها وحشدها العسكري بالمنطقة ودخولها الحرب عمليا مع اسرائيل، إلى زيادة الضغط على حزب الله لتجنب توسيع الحرب وربما الانزلاق لحرب اقليمية تجد ايران نفسها في قلبها مقابل اسرائيل والولايات المتحدة. لكن ذلك، اي الامتناع عن الاقدام على فتح جبهة الشمال، بقي بالنسبة للمقاومة اللبنانية بعدم خرق اسرائيل لقواعد الاشتباك الحالية، وايضا عدم وصول الامور بغزة الى مرحلة التهديد بالقضاء على حماس.
المستجد على هذا الصعيد، الرسائل الأميركية خلال اليومين الماضيين التي بدات تؤشر لوجود رغبة اسرائيلية لدى نتنياهو وقياداته السياسية والعسكرية بالاقدام على فتح الحرب بالجبهة الشمالية والمزيد من خلط الاوراق بالمنطقة، استغلالا للدعم الاميركي والغربي غير المسبوق لحرب اسرائيل وجرائمها ومحاولة تصفية اخطار المقاومة اللبنانية وربما القدرة الايرانية على تهديد كيان الاحتلال.
طبعا هذا هو السبب المعلن لرغبة نتنياهو وقياداته بالاقدام على فتح الحرب مع حزب الله، لكن الدافع الرئيسي بحسب ما هو واضح هو رغبة القيادة الاسرائيلة في الهروب الى الأمام من استحقاقات وقف الحرب والعدوان، والوصول للحظة الحقيقة بمحاسبة ومحاكمة نتنياهو وقياداته عن انهيار جيشه في هجوم المقاومة الفلسطينية يوم 7 اكتوبر وتحطيم صورة “الجيش الذي لا يقهر”.
الولايات المتحدة، التي باتت تحت ضغوط داخلية ودولية متزايدة لوقف الحرب ولادارتها الحالية حسابات عديدة للانتخابات الرئاسية المقبلة، باتت توجه الرسائل العلنية والسرية لاسرائيل بضرورة الالتزام بعدم فتح الجبهة الشمالية مع لبنان باعتباره خطا أحمرا أميركيا، لكن الواضح ونحن نلاحظ التصعيد الاسرائيلي على الحدود مع لبنان والذي يوازيه تصعيدا من المقاومة، والتسريبات التي تنشرها الصحف الاسرائيلية من الاعداد لضربة واسعة لحزب الله قد تجره للحرب، كلها تشير الى ان اسرائيل قد لا تتردد بالالتفاف على الأمر الأمريكي وتهيئة الظروف على الارض لتوسيع الحرب.
ما لا تعرفه اسرائيل، أو بالأحرى تحاول أن تتجاهله عبر اندفاع نتنياهو وقياداته للهروب من ساعة الحقيقة والمحاسبة، هو أن مبادرة اسرائيل للحرب ضد المقاومة اللبنانية سينزل كالسمن والعسل على قلب هذه المقاومة التي تتحرق شوقا لدخول الحرب اليوم، لأنها بالنسبة لها قادمة قادمة حتى لو بعد سنة او اثنتين، وان تحصل اليوم في ظل وجود حماس والجهاد الاسلامي في غزة واستمرارهما بالمقاومة، هو الظرف الأنسب، فيما سترفع مبادرة اسرائيل للحرب حرج حزب الله أمام الحاضنة اللبنانية وسيعتبر عندها مضطرا للدفاع عن لبنان وعن المقاومة.
الثابت، كما يبدو، أن نتنياهو وعصابته الحاكمة مستعدان للذهاب بعيدا في اشعال المنطقة وخلط الأوراق لمجرد التهرب من لحظة الحقيقة واستحقاقاتها بالداخل الاسرائيلي عندما يتوقف هدير المدافع!